أنهى إيمانويل ماكرون مؤخراً زيارة دولة إلى الولايات المتحدة أشاد الجميع بنجاحها، سواء من الجانب الأميركي أو الفرنسي. الزيارة تضمنت مأدبة عشاء فخمة في حديقة البيت الأبيض، وزيارة ناجحة إلى ولاية نيو أورليانز من أجل إبراز الفرانكوفونية، واحتفاء بالوحدة إزاء روسيا في أوكرانيا... غير أن بعض المواضيع الخلافية كانت أيضاً حاضرة ضمن برنامج الزيارة، وخاصة على الصعيد الاقتصادي. إذ تباحث الجانبان حول المخطط الأميركي المسمى «قانون خفض التضخم»، الذي رُصدت له 370 مليار دولار من أجل المساعدة على تحويل الاقتصاد الأميركي إلى اقتصاد أخضر، والذي يُعد «شرساً للغاية»، حسب وصف إيمانويل ماكرون. 
والواقع أنه لا يسع المرء سوى أن يكون سعيداً بقرار الولايات المتحدة تحويل اقتصادها إلى اقتصاد أخضر. غير أنه سرعان ما تم الانتباه في فرنسا وألمانيا والبلدان الأوروبية بشكل عام إلى أن لهذا المخطط تداعيات قد تكون سلبية للغاية بالنسبة لصناعة أوروبية تعاني أصلاً من جملة من المشاكل. ذلك أن هذا المخطط يقضي بأن الصناعيين يستطيعون استرداد ما يصل إلى 40% من استثماراتهم إذا قاموا بالاستثمار في الولايات المتحدة أو في بلدان تربطها بها اتفاقيات للتبادل الحر، أي المكسيك وكندا. 
تخوف الأوروبيين الأكبر، الذي تُفاقمه حقيقةُ أن القارة تعيش أصلاً أزمة اقتصادية بسبب ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم، هو أن يعود الصناعيون الأميركيون الموجودون في أوروبا إلى الولايات المتحدة من أجل الاستفادة من هذه المساعدة، وأن يتخلى الصناعيون الأوروبيون عن استثماراتهم في أوروبا من أجل الاستثمار في الولايات المتحدة. والواقع أن بعض الأسماء الكبيرة في الصناعة الأوروبية، وخاصة الألمانية، كانت قد لوّحت بفعل ذلك، جزئياً بسبب جاذبية أسعار الطاقة في الولايات المتحدة. 
إيمانويل ماكرون صرّح بأن الرئيس الأميركي استمع إليه. ولكن هل سيُستمع إليه حقاً؟ جو بايدن صرّح بأن الولايات المتحدة لا تعتذر، وأنه لا يعتذر. ولم يقدّم تنازلاً بخصوص مطالب المسؤولين السياسيين الأوروبيين في ما يتعلق بصناعييهم إزاء هذا المخطط. وبالتالي، فإن إيمانويل ماكرون لم يعد من هذه الزيارة بنتائج محسوسة وملموسة. ومن جهة أخرى، كان ماكرون صرّح بأنه حتى الآن لم يرتفع أي صوت أوروبي للاعتراض على هذا القانون الأميركي. وهو محق في ذلك، غير أنه ينبغي الآن الانتقال من الأقوال إلى الأفعال لأنه لا يمكن الاكتفاء بكلمات وتصريحات مطمئِنة، وأحياناً مخدِّرة، من جانب الولايات المتحدة إذا لم تكن مقرونة بأفعال ملموسة ونتائج إيجابية. 
والحق أن الولايات المتحدة تدافع عن مصلحتها الوطنية، ولها الحق في فعل ذلك. وبالمقابل، فإن الأوروبيين، الذين لا يتصرفون بالطريقة نفسها لأنهم منقسمون ومذهولون، هم المخطئون. إذ ليس هناك «قانون اشتر المنتجات الأوروبية» على غرار «قانون اشتر المنتجات الأميركية». ثم إن الصين من جهة، والولايات المتحدة من جهة أخرى، تدافعان حقاً عن مصالحهما، في حين أن أوروبا لا تفعل ذلك. وحين تطرح فرنسا فكرة الدفاع عن المصلحة الوطنية الفرنسية ضد الولايات المتحدة، تُتهم باريس بمعاداة أميركا بسرعة. وبالمقابل، ليس هناك أي اتهام للولايات المتحدة بمعاداة أوروبا حين يدافع الأميركيون عن مصلحتهم الوطنية ضد أوروبا. وهنا يمكن القول إن جو بايدن يحقق حالياً ما كان يريد دونالد ترامب فعله، إلا أنه يفعله بهدوء، ذلك أنه إذا كان دونالد ترامب يضرب على الطاولة ويهدّد ويشتم، فإن جو بايدن يتحدث بصوت هادئ ورزين ويُطمئن الأوروبيين بصداقته. 
كثيراً ما سمع الأوروبيون أنه آن الأوان للتخلي عن السذاجة في ما يتعلق بروسيا أو الصين. وربما حان الوقت أيضاً لفعل ذلك إزاء الولايات المتحدة لأنها، من خلال مثل هذا القانون، لا تعامل أوروبا كحليف. وإذا كان التحالف الاستراتيجي العابر للأطلسي حقيقة لا يكمن إنكارها، وخاصة إزاء الحرب الروسية في أوكرانيا، فإنه من الناحية الاقتصادية والتجارية تظل العلاقة تنافساً. وهذا الأخير بات غير عادل تماماً من جانب الولايات المتحدة. 
ولا بد من إدراك هذا الأمر في أوروبا. ولكن الأوروبيين مذهولون إزاء التهديد الروسي، ويظنون أن الولايات المتحدة وحدها تستطيع الدفاع عنهم إزاء هذا التهديد وأن هذا الأمر يستحق بعض التنازلات. والحال أنه ليس هناك تهديد روسي كبير إزاء البلدان الأعضاء في الاتحاد الأوروبي. فقد تبين بجلاء أن الروس غير قادرين على اكتساح إقليم الدونباس بشكل كامل، ولم يستطيعوا السيطرة على المناطق التي قاموا بضمها بطريقة غير قانونية. 
وهذا يجعل من احتمال هجوم على أوروبا الغربية أمراً مستبعداً ومن الصعب تصوره. ولهذا، ينبغي بكل تأكيد عدم المبالغة في الحديث عن التهديد العسكري الروسي. الأمر هنا لا يتعلق بنوايا فلاديمير بوتين، وإنما بقياس هذا التهديد من حيث القدرات. ونظراً لكون هذا التهديد متصوَّراً أكثر منه واقعي، فإن الأمر لا يقتضي إهمال المصالح الاقتصادية والتجارية الأوروبية من أجل الاستفادة من الحماية الأميركية. وعليه، فإن إيمانويل ماكرون دقّ ناقوس الخطر، والآن لا بد من الانتقال إلى الأفعال. 

*مدير معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية في باريس