ضمن أحدث الإجراءات التي اتخذها الاتحاد الأوروبي ومجموعة الدول الصناعية السبع وأستراليا، تم الإعلان عن تحديد سقف سعر بيع النفط الروسي المنقول بحراً بـ 60 دولاراً للبرميل الواحد، الأمر الذي يطرح العديد من التساؤلات حول مدى تأثير «الإجراءات العقابية» التي اتخذها الغرب ضد روسيا في أعقاب أزمة الأخيرة مع أوكرانيا.

فالعقوبات الغربية بدأت منذ الأزمة، وتراوحت ما بين اقتصادية وتجارية ودبلوماسية وعلمية وتكنولوجية، والهدف الرئيسي منها هو إضعاف الاقتصاد الروسي بغية إجبار موسكو على إنهاء العملية العسكرية. وتشير العديد من التقارير الغربية الصادرة عن البنك الدولي وصندوق النقد الدولي ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية إلى أن عام 2022 يعد عاماً سيئاً بالنسبة للاقتصاد الروسي، إذ بنهايته، من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي لروسيا بنسبة 3.4% على الأقل في أفضل سيناريو وبنسبة تصل إلى 5.5% في أسوأ السيناريوهات.

التقارير ذاتها تشير إلى أن الاقتصاد الروسي سيستمر في الانكماش في عام 2023، إذ من المتوقع أن ينخفض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 2.3% على أساس سنوي في أفضل السيناريوهات وبنسبة 4.5% في أسوأ السيناريوهات. تأتي تلك التقارير والتوقعات الغربية في وقت قامت فيه روسيا بتحويل معظم صادراتها النفطية إلى دول أخرى، تشمل الصين والهند بأسعار مخفضة، وفي وقت أصبحت فيه روسيا هي ثاني مُصدّر للنفط إلى الصين بعد المملكة العربية السعودية.

أضف إلى ذلك، قيام بعض الدول بتسديد مستحقاتها بالعملة الروسية «الروبل» والتي رغم تراجعها في شهر ديسمبر الحالي إلى 63 روبل مقابل الدولار إلا أنه مستوى يظل أعلى مما كان عليه بداية العام الحالي. وهنا يأتي التساؤل الأبرز، وهو: هل سيؤدي قرار تحديد سعر أقصى للنفط الروسي بـ 60 دولاراً للبرميل الواحد إلى إحداث المزيد من الصدمات للاقتصاد الروسي، أم أن تأثيره سيظل محدوداً قياساً بنتائج حزم العقوبات الغربية الثماني التي تم تطبيقها على روسيا؟

الإجابة عن ذلك التساؤل تتطلب أساساً معرفة تأثير قرار تحديد سقف سعر النفط الروسي على أوربا والعالم، وليس على موسكو التي تبيع نفطها حالياً بقيمة تتراوح من 69 إلى 74 دولاراً للبرميل الواحد، وبالتالي ليس من المتوقع أن يحدث قرار تحديد سقف السعر التأثير «المطلوب» على الاقتصاد الروسي على الأقل على المدى المتوسط. فالتأثير الأبرز لذلك القرار سيأتي من طبيعة الرد الروسي عليه والذي غالباً لن يؤدي إلا إلى زيادة الأعباء على المواطن في أوربا بشكل خاص والعالم بشكل عام وزيادة التضخم بشكل رئيسي. فموسكو أمام خيارين رئيسيين.

الخيار الأول هو تخفيض إنتاجها من النفط، مما سيؤدي إلى ارتفاع كبير في الأسعار العالمية للنفط، والثاني هو منع تصدير النفط للدول التي تُطبق قرار تحديد سقف السعر. وسيتوازى هذان الخياران مع استمرار تصدير النفط الروسي للصين والهند بأسعار تفضيلية، بجانب زيادة نفقات حكومات الاتحاد الأوربي لدعم مواطنيها، بهدف تقليل تأثير ارتفاع سعر النفط على الحياة اليومية.

وبالتالي، فالتساؤل المطروح سيكون: إلى أي مدى سيستمر الغرب في سياسة العقوبات الاقتصادية على روسيا دون التوجه فعلياً إلى الحلول السياسية التي دون شك ستؤدي إلى إنهاء الأزمة الحالية؟ *باحث إماراتي