تشير الأخبار والأقاويل التي يتناقلها القادمون من مصر - مصريين وغيرهم - إلى تدني القوة الشرائية للجنيه المصري، وإلى موجات متلاحقة من البطالة، ومن شح بعض السلع التموينية والغذائية، وبعض المشاكل الاقتصادية والمالية الأخرى، فما هي صحة هذه الأخبار والأقاويل؟
وهل هي حقيقة واقعة أم أن من ينقلونها يبالغون في وصف الأوضاع الاقتصادية؟ وهنا، فإن العديد مما ينقل شفاهة قد يكون مبالغ فيه ولا يعكس الحقيقة القائمة، فالكل يدلي بدلوه، وكل لديه قصته وروايته النابعة من ظروفه الخاصة ومعاناته الشخصية والمحيطين به والقريبين منه.
لذلك فإن أسلوب تقييم الأوضاع يتأتى عن طريق تشخيص حالة الاقتصاد المصري بأسلوب منهجي يكشف الحالة الواقعية التي يمر بها في هذه المرحلة. إن أي تشخيص سليم يتطلب معرفة أمور محددة وعلى النحو التالي:
ارتفاع معدلات التضخم المالي؛ والحجم الحاصل في عجز الميزانية العامة للدولة؛ وارتفاع العجز في ميزان المدفوعات؛ وارتفاع حجم الديون الخارجية، وارتفاع معدلات البطالة؛ وأخيراً انخفاض قيمة سعر صرف العملة الوطنية في مقابل العملات الأجنبية.
بالنسبة لمعدلات التضخم المالي فهي مرتفعة منذ زمن بعيد وتعود إلى أيام ما عرف بمرحلة «الانفتاح» في منتصف سبعينيات القرن العشرين، وزادت إلى اختلال التوازن بين الدخل الفردي ومستويات الأسعار بما في ذلك أسعار المواد الغذائية والسلع التموينية الأساسية.
وبالتأكيد ذلك أدى إلى تدني مستويات المعيشة للمواطنين الذين يعتاشون على الرواتب الشهرية، بمن فيهم الفئات الاجتماعية التي تعرف مجازاً بالطبقة الوسطى العاملين في مؤسسات الدولة والقطا الخاص.
أما فيما يتعلق بالعجز في ميزانية الدولة فهو مضطرد ويبلغ مليارات الجنيهات في كل عام مالي بحيث أنه إما يوازي الإيرادات العامة أو يزيد عليها.
وسبب هذا العجز المزمن يعود إلى التزايد المستمر في الإنفاق الحكومي في شتى النواحي المدنية والعسكرية والأمنية ودعم السلع الأساسية. وبالتأكيد أن المقصود ليس الإنفاق على شراء الأسلحة والمعدات العسكرية من الخارج فقط، ولكن إعداد مرافق الدولة في مجملها لمكافحة الإرهاب والتصدي للفوضى التي تعمل على نشرها الجماعات المتطرفة، وحماية أمن المجتمع والدولة الداخلي والخارجي.أما زيادة حجم العجز في ميزان المدفوعات واتساع الهوة بين الصادرات والواردات، فإن العجز فيها يبلغ مليارات الجنيهات، وذلك حسب إحصاءات وتقديرات كل من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي.
وربما أن السبب في ذلك يعود إلى زيادة الواردات من السلع الاستهلاكية على حساب الصادرات من السلع سواء الزراعية أو المصنعة.
إن مثل هذا العجز مآله في نهاية المطاف عودة زيادة حجم الدين الخارجي وخدمته.
وبكل تأكيد فإن ارتفاع حجم الدين الخارجي يتسبب في تفاقم المشكلة الاقتصادية والمالية. ويضاف إلى ذلك ما هو حاصل من تدني في سعر صرف الجنيه.
هذا التدهور السريع لم يكن حاصلاً سابقاً، لكن إجراءات وشروط الجهات الخارجية الدائنة المانحة للقروض أدت إلى عدم قدرة الجنيه على التماسك وإلى تراجع قيمته بالشكل الذي تشاهده حالياً. وأخيراً، فبالنسبة لمشكلة البطالة وحجمها في المجتمع ومدى توفر الوظائف للمواطنين، فهي قائمة خاصة في أوساط الشباب من الخريجين الجدد الذين يبحثون عن وظائف في مؤسسات الدولة.
وهذه مشكلة في حد ذاتها، حيث يبحث الجميع عن وظيفة لدى الدولة في المؤسسات والدوائر الحكومية التي لم يعد فيها شواغر بشكل مطلق تقريباً.
ونظراً لتعثر العديد من مؤسسات القطاع الخاص للعديد من الأسباب الجوهرية، فإن القطاع الخاص ذاته ليس لديه الكثير من الحلول لتجاوز معضلة البطالة مع وجود الكساد الاقتصادي المستشري.
لذلك، فإن مشكلة البطالة، سواء الحقيقية أو المقنعة قائمة وتضيف الكثير إلى العثرات التي يعاني منها الاقتصاد المصري في مجمله. 

* كاتب إماراتي