ارتفعت أسعار المستهلكين الشهر الماضي بأقل من المتوقع، ومن المنتظر أن تنخفض معدلات التضخم خلال السنوات القليلة المقبلة أيضاً. وهذا يجعل النقاش حول هدف «التضخم المناسب» للاحتياطي الفيدرالي الأميركي أكثر أهمية: هل ينبغي للبنك المركزي أن يسعى إلى إعادة معدلات التضخم في نطاق 2%، أم أنه يتوقف عند معدل أعلى، أي 3 أو 4 على سبيل المثال؟

اقترح عالم الاقتصاد الكلي البارز أوليفييه بلانشارد، من بين آخرين، هدفَ 4%. لكن وفقاً لأسلوب تفكيري، فإن عواقب ارتفاع معدل التضخم، وخاصة عواقبه على العمال والموظفين، تفوق الفوائد.

ومن المؤكد أن الحجة الرئيسية لتحقيق هدف تضخم أعلى مشروعة، وهي أن ارتفاع معدل تضخم الأسعار سيعني ارتفاع معدل الفائدة الاسمِي. لذا عندما يأتي الركود، سيكون لدى الاحتياطي الفيدرالي حرية أكبر لخفض أسعار الفائدة، لأن السعر الأولي بعيد عن الحد الأدنى الصفري. والحجة الثانية، التي لا يستشهد بها المؤيدون عادة، هي أن ارتفاع معدل التضخم من شأنه أن يقلل من قيمة الحيازة، ليس فقط في الأوساط الأكاديمية، ولكن أيضاً في البيروقراطيات بشكل عام.

خذ بعين الاعتبار الموظف غير المنتج الذي يستمر في العمل لأن أصحاب العمل يخشون فصله لأسباب قانونية أو مؤسسية. ومع ارتفاع معدل التضخم، يمكنهم خفض أجره الحقيقي ببساطة من خلال عدم منحه زيادةً، وقد يكون ذلك كافياً لحثه على المغادرة. في غضون ذلك، يمكنهم إعادة توزيع الأجور الأعلى على العمال الأكثر إنتاجيةً. لكن هذه الحجة الثانية لارتفاع التضخم تشير أيضاً إلى بعض الأسباب التي تجعل هدف التضخم الأعلى يمثل مشكلةً.

والجدير بالذكر أن الأجور الفعلية المدفوعة في مكان العمل لا ترتفع تلقائياً مع معدل التضخم. في النظرية الاقتصادية، المال «محايد» على المدى الطويل. والأجور تتكيف في النهاية مع المستوى الجديد للأسعار. لكن هذا لا يحدث فقط. يتعين على العمال التحدث مع رؤسائهم، وطلب علاوات، والمساومة، وأحياناً التهديد بترك العمل. يمكن مناقشة مدى سلاسة سير هذه العملية في الأوقات العادية. لكن هذه ليست أوقاتاً عادية. هذا عصر انخفاض المشاركة في القوى العاملة، وهناك حديث عن وباء «الإقلاع الهادئ عن العمل».

بمعنى آخر، قد لا يكون الكثير من العمال سعداء جداً بوضعهم. لا يزال هناك خطر يتمثل في أن هؤلاء العمال، بدلا من المساومة على أجور أعلى، سيتركون القوة العاملة كلياً، أو ربما الانفصال عن وظائفهم.

هناك العديد من الهوامش التي يمكن للقوى العاملة أن تتكيف عبرها. وتعد معدلات التضخم المرتفعة أفضل للعمال في بعض البيئات الخاصة جداً.

عندما يكون معدل النمو الاقتصادي مرتفعاً ويغيّر الناس وظائفهم بوتيرة سريعة، سيحصل العمال المنتجون على زيادات على أساس متكرر إلى حد ما. وعادةً ما تجلب الوظيفة الأفضلُ أجراً أعلى، بالإضافة إلى أن ارتفاع معدل التنقل يعني أن أرباب العمل يدركون تماماً مخاطر مغادرة العمال. وسيقدم العديد من الرؤساء علاوات دون أي مساومة على الإطلاق. واليوم، على النقيض من ذلك، هناك نقص واسع في العمالة، كما يتضح من لافتات «مطلوب مساعدة» في كل مكان، ومع ذلك فثمة أيضاً انخفاض في الأجور بعد التضخم.

نحن الاقتصاديون لا نستطيع شرح هذه الظروف بشكل كامل. لكنهم قد يقترحون أن أرباب العمل ببساطة ليسوا مستعدين للموافقة على زيادة الأجور، ربما بسبب عدم اليقين في العمل. وإذا لم يدفعهم نقصُ العمالة إلى زيادة الأجور الحقيقية، فربما لن يؤدي ارتفاع معدل التضخم إلى ذلك أيضاً.وباختصار، قد يكون انخفاض الأجور الحقيقية أحدَ الآثار الرئيسية لهدف «تضخم أعلى» بشكل دائم. ليس من المؤكد فحسب أن الأجور الحقيقية ستنخفض، لكن ليس من المؤكد أيضاً أن الأجور، في المناخ الحالي، ستواكب وتيرتها.. فلماذا المخاطرة إذن؟

هناك مشكلة أخرى وهي أن الناخبين يكرهون التضخم، ويبدو أن الجدل حول هذه المشكلة تشوبه وصمة حزبية. لقد لاحظتُ أن الاقتصاديين ذوي الميول «الديمقراطية» يميلون إلى دعم هدف تضخم أعلى من أولئك الذين يميلون إلى «الجمهوريين».

وإذا كان هناك هدف تضخم بنسبة 4%، فهل سيكون ذلك حقاً ذا مصداقية؟ قد تعتقد الشركات أن معنويات الناخبين، أو الهيمنة السياسية للجمهوريين، ستدفع هدف التضخم المفضل إلى 2%. من شأن ذلك أن يعطي الشركات سبباً إضافياً لمقاومة زيادة الأجور بنسبة 4% استجابةً لمعدلات التضخم البالغة 4%. هل عام 2022 هو أفضل وقت للتفكير في إمكانية حدوث المزيد من الانخفاض الحقيقي في الأجور؟ إن الولايات المتحدة قادمة من جائحة كبيرة، وتراجع حقيقي للأجور، وأزمة مالية، وعدة عقود من نمو الأجور البطيء نسبياً.. لذا فالثقة الاجتماعية في هذه السياسات منخفضة بشكل ملحوظ. ولهذا السبب، فإن الوقت الحالي ليس الوقت المناسب لإضافة ما قد يثبت أنه عقوبة إضافية للعمال.

تايلور كوين*

*أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج ميسون

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنج آند سينديكيشن»