خلال الأسبوعين الماضيين، لفت انتباهي بعض الرسائل التي تتسلل أحياناً إلى مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة موقع «الواتس آب» الذي يحلو للناس استخدامه لتبادل الأخبار والمعلومات والصور ومقاطع الفيديو وغيرها، وكما نعلم، فإن هذا التطبيق، بات من وسائل الاتصال المهمة في مرحلة جائحة كورونا وما تلاها، حيث تضاعفت مساحات وإمكانيات إنشاء المجموعات الخاصة والعامة على هذا الموقع، وأصبح من الممكن جداً أن تستيقظ صباحاً فتجد نفسك عضواً في مجموعة لا تعرف فيها أحداً!
لست إعلامياً أو باحثاً متخصصاً في المجال الإعلامي، إنما يستوقفني دائماً كل المسائل التي قد تمس الأمن، بصورة أو بأخرى، ولا شك أن هناك مئات الدراسات والأبحاث التي تحدثت عن مواقع التواصل الاجتماعي من ناحية المخاطر التي قد تتضمن اختراق هاتف الشخص عبر إرسال رابط ما، أو تمرير المعلومات المغلوطة أو الرسائل الموجهة لفئة للمواطنين أو المقيمين من جهات خارجية، وكذلك العبث بالأمن وترويع الناس بمسألة معينة، سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، ولا شك أيضاً، أن الجهات التشريعية والتنفيذية تراقب ذلك عن كثب، وتضع القوانين والخطط والإجراءات اللازمة لاحتواء ما ينشر على هذه المواقع من معلومات مضللة أو مكذوبة، ومعاقبة الجناة الذين يقصدون خلق بلبلة أو فتنة، وتشديد العقوبات على كل من يثبت تورطه في مثل هذه الجرائم.
المشكلة ليست في ذلك على الإطلاق، المشكلة التي لاحظتها خلال الأسبوعين الماضيين، تتعلق برسائل من نوع مختلف، مناقشات حول موضوع الخصخصة مثلاً، تصدر عن مواطنين إماراتيين أوفياء ومخلصين، لا تشكيك في نواياهم أو حرصهم وأمانتهم في حماية الوطن وافتدائه بأنفسهم وأولادهم إذا لزم الأمر، لكن حرصهم الزائد يجعلهم يناقشون موضوعات لا يمتلكون عنها المعلومات الكافية، ولا التخصص اللازم والضروري، ولا يعلمون رسالة يكتبونها تعليقاً على خصخصة في القطاع الصحي أو التعليمي، سوف تتضمن حتماً عواطف مشحونة، قد يفهمها البعض على أنها تحذير لوقوع خطب ما، ولكن يفهمها بعض آخر أن هناك ما قد يشكل تهديداً على الوطن، فيظن أن الجهات المعنية غير مُطلعة على كل مشروع «خصخصة» يتم طرحه، وقد لا يدرك أنه تتم دراسة ومناقشة إيجابيات وسلبيات أسباب تلك الخصخصة من كافة الجوانب، وأنه تتم الاستفادة بشكل كبير من تجارب الدول المتقدمة، والتجارب المحلية الناجحة، والعوائد التي يمكن تحقيقها جراء خصخصة قطاع معين، فيظن أن هناك تقصيراً في جانب معين، كأن يعتقد مثلاً أن الخصخصة هي ضرب للتوطين، وستتسبب في حرمان المواطنين من الوظائف، فيشعر بالتهديد، ولا يعود يقدر أن يرى الأبعاد الأخرى، فيضل الطريق.
أردت أن أشرح بدقة ما يحدث، حتى تصل رسالتي هذه لكل مواطن أو مقيم في دولة الإمارات، ليضعوا رقابة ذاتية على أنفسهم حين يكتبون رسائل لمواقع التواصل الاجتماعي في موضوعات لا يمتلكون حولها كافة المعلومات، أو يجهلون حقيقة الأمر، فلا تدفعهم العاطفة الوطنية للتعجل بإطلاق الأحكام الجائرة حول موضوع ما، وكذلك أن يراقبوا بأمانة كاملة عدم تداول أي رسائل تأتيهم من آخرين، سواء بمناقشة موضوع محلي، أو التندر والسخرية حول دول أخرى شقيقة أو صديقة بصورة أو فيديو ساخر، مثل السخرية من رئيس دولة أخرى، أو طائفة أو عرق معين، وكذلك الإبلاغ الفوري عن أي رسائل يُشتبه في مصدرها أو محتواها أو ما قد تتضمنه من معلومات مضللة أو زائفة.
نجحت دولة الإمارات العربية، دون غيرها، خلال مرحلة «الربيع العربي»، وما بعدها، في استئصال الفكر المتطرف الخائن، عن بكرة أبيه، بفضل الله تعالى، ثم بفضل القيادة الحكيمة الرشيدة، وبفضل العقلاء في هذه الأمة العظيمة الذين يعلمون علم اليقين، أننا نتقدم بالاتجاه الصحيح، في كافة المجالات، وأن دولة الإمارات تفوقت لأن الشعب الإماراتي يدرك أن الحرص على ترك مناقشة المسائل المهمة والحيوية التي تبذل فيها أجهزة الدولة جهوداً كبيرة متخصصة لا يُعد انتقاصاً من حرية التعبير، على العكس تماماً، فنحن خير من أدرك ويدرك أنه «لا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون»، وإنْ كان لابد من مناقشة مسألة ما، فإن مكانها الوحيد هو المجلس الوطني الاتحادي، وكلهم بفضل الله أكْفاء أوفياء متخصصون، ولا يتركون شاردة أو واردة إلا ويحرصون على متابعتها والتدقيق والتمحيص فيها.
أما الخصخصة في حد ذاتها، فإنني أرى أن دولة الإمارات قد حصلت على القدرة والكفاءة والخبرة اللازمة من خلال خصخصة قطاعات تنموية كثيرة، والتي جذبت العديد من المزايا الاقتصادية والفنية، وأحدثت فارقاً كبيراً في زيادة حجم الاستثمارات وتوسعة شبكة العلاقات الاقتصادية وتصدر تقارير الحرية الاقتصادية، حيث يشيد تقرير الحرية الاقتصادية، الصادر عن مؤسسة «هيريتيج»، بالأطر القانونية السليمة واللوائح التي تدعم سياسات السوق المفتوحة ومناخ الأعمال المواتي في دولة الإمارات، وكذلك تسلط مؤشرات الحكومة العالمية السنوية الصادرة عن البنك الدولي الضوء على انعدام الفساد في الإمارات والأطر التنظيمية والقانونية الملائمة للأعمال التجارية، ما يمنح الدولة وأجهزتها المعنية القدرة الكاملة في تحريك قطار الخصخصة أو وقفه، بأي اتجاه كان.

* لواء ركن طيار متقاعد