في عام 1800 لم تكن الحياة في العالم قد تغيّرت كثيراً، فلا سيارات ولا قطارات ولا طائرات، وبالطبع لا إضاءة ولا كهرباء. كانت الخيل والحمير والبغال هي وسائل المواصلات في العالم، وعندما تغرب الشمس فليس هناك غير الظلام. جاء عام 1831 حاسماً، ففي ذلك العام اخترع العالم الكبير مايكل فاراداي «الدينامو الكهربائي» لأول مرة في التاريخ، لينتقل العالم من عصر ما قبل الكهرباء إلى عصر الكهرباء.. أو من عصر الخيول إلى العصر الذي نحياه اليوم.

ولد العالم البريطاني «مايكل فاراداي» عام 1791 في أسرة بسيطة، عمل والده حدّاداً، ولم يتمكّن من تعليمه، فأخذ قسطاً محدوداً من التعليم الأساسي، ويذكر بعض المؤرخين أنه كان لا يعرف أن كتابة جملة جديدة يجب أن تبدأ بحرف كبير. كان فاراداي محظوظاً لأنه بدأ العمل في محلّ لتجليد الكتب، فقضى معظم وقته في قراءة الكتب العلمية، فكان المحلّ بمثابة جامعة خاصة له، ولقد تأثر كثيراً بكتاب «تحسين العقل» لمؤلفه «اسحق وات».

قام فاراداي بتحسين مذهل لعقله، وراح يزيد في التحسين فذهب إلى مؤسسات العلم لحضور محاضرات كبار العلماء. إن فاراداي الذي لم يتلقّ تعليماً نظامياً، أبدع في تعليمه، حتى حصل على درجة الدكتوراه الفخرية من جامعة أكسفورد، والشاب الذي لم يستطع والده الإنفاق على مدرسته أقام ندوات علمية لتبسيط العلوم للفقراء، وأقام دروساً خاصة مجانية للأطفال في إجازاتهم، وكان عدد كبير من الأطفال يحضر دروسه الأسبوعية الشيقة مساء كل جمعة. يشكل عصر«فارادي» جزءاً أساسياً من العصر الحالي، فهو العالِم الذي اخترع أول مولد كهربائي في التاريخ، وهذا المولد هو «الجد الأكبر» للمولدات الكهربائية المعاصرة، وقد فتح بذلك حقبةً جديدة من تاريخ العالم، ما بعدها ليس كما قبلها. في عام 1831 كان المولد الكهربائي، وفي عام 1858 كانت إضاءة أول مصباح كهربائي في العالم، والذي أضيء فوق منارة للسفن.

كان عصر «توماس أديسون» مخترع المصباح الكهربائي تطبيقاً رائعاً وامتداداً بارعاً لعصر «مايكل فاراداي».. المولد ثم المصباح، وبينهما (27) عاماً من المحاولات تلو المحاولات. كانت إضاءة مصباح واحد لعدة دقائق إنجازاً عظيماً، وعملاً ثورياً في تاريخ العلم، وبعد ذلك توالت الإنجازات المذهلة حيث مكث أحد المصابيح أكثر من (13) ساعة، واليوم فإن المصابيح الكهربائية يمكنها العمل لأكثر من (25) ألف ساعة متواصلة.

حين أضيء أول مصباح كان العلماء في حالة دهشة كبرى في معاملهم، ولما أضيئت بعض شوارع مانهاتن في مدينة نيويورك للمرة الأولى عام 1882 احتشد الناس لمشاهدة الاختراع العجيب، واليوم فإن الكهرباء باتت في كل مكان في العالم، وتتلألأ المدن المضاءة ليلاً في جميع القارات. في كل لحظة يعيشها العالم اليوم، يجب أن نتذكر دوماً ذلك الجهد الأسطوري الذي بذله علماء كبار، من أجل الانتقال بنا من عصر إلى عصر.. ومن حياة إلى حياة.

* كاتب مصري