على مشارف عام جديد، تحتاج البشرية إلى حكمة واسعة ودبلوماسية عالية، بهدف القفز فوق العقبات القائمة والقادمة في الطريق.
الذين يتطلعون إلى عام ترتفع فيه رايات السلام، وتتوارى علامات الحرب والخصام، يعرفون أن مسارات ومساقات النظام العالمي الآن تكاد تشابه الفترة السابقة للحرب العالمية الثانية، كما تبدو صواعق التفجير حاضرة، والجميع يخشى ويتهيب من حرب كونية عالمية جديدة.
يصعب أن نحيط علما بكافة دوائر الصراع المنفلتة حول العالم، غير أنه وفي ومقدمتها لا يمكن للمرء أن يغفل التدهور الشديد الحادث على صعيد الصراع الروسي- الأوكراني، والذي يكاد يتسبب في مواجهة بين واشنطن وموسكو.
يحتاج هذا الملف تحديدا خبرة حكماء السياسة الدولية، وقد قدم بالفعل ثعلب السياسة الأميركية وبطريركها، هنري كيسنجر رؤى ومقترحات، بهدف نزع فتيل الصراع، غير أن أحدا، لا سيما الرئيس الأوكراني يرفضها، ويقدم عوضا عنها مقترحات يعلم تمام العلم أن الروس لن يأخذوا بها.
يحتاج السلم العالمي إلى وضع حد لأزمة تايوان، والتي تنفلت يوما تلو الآخر. وربما تظن بكين أن واشنطن مشغولة عنها في الصراع الدائر بين موسكو وكييف، وأن الفرصة تاريخية لتلقين الأميركيين درساً لجهة التوازن القطبي العالمي الجديد.
غير أن هذا سيناريو مبسط ومخل، ولا يأخذ في عين الاعتبار الالتزامات الأميركية الخاصة تجاه تايوان، ومربعات النفوذ الأميركي بالقرب من بحر الصين الجنوبي، والامتداد لجهة بقية مياه المحيط الهادئ.
تبدو الملفات الشائكة في شرق آسيا مدعاة لقلق عميق، لاسيما في ضوء تنامي نزعة التسلح غير التقليدي، وبالتحديد النووي.
خذ إليك على سبيل المثال ما ترنو إليه الصين من زيادة هائلة في ترسانتها الصاروخية النووية، الأمر الكفيل بإحداث تأثير كبير على التوازنات النووية العالمية، وليس الآسيوية فحسب.
أما عن اليابان فحدث ولا حرج، وقد خرجت من طوكيو قبل نهاية العام بيانات تتحدث عن رؤية لعسكرة المشهد الياباني، من خلال بناء صواريخ باليستية، وأخرى فرط صوتية.
هل صراع اليابان المحتمل مع الصين، العدو التقليدي، أم مع روسيا المتنازعة معها من حول السيطرة على جزر كويل الجنوبية؟
الإحتمالان قائمان، لكن الأقرب فيهما تحول التنافس بين روسيا واليابان على الجزر التي ضمها الاتحاد السوفييتي عام 1945 وتطالب بها طوكيو، إلى صراع مسلح أثناء إنشغال العالم بالحرب في أوكرانيا ، خاصة أن روسيا نشرت هناك مؤخرا نحو ثلاثة آلاف جندي، وعدة بطاريات مضادة للصواريخ.
تبدو مناطق النزاع في العام الجديد مدعاة للخوف، فعلى سبيل المثال يكاد الشد والجذب بين الكوريتين، أن يتحول إلى مواجهة مسلحة، وهذا ما تابعناه خلال الأيام الأخيرة في العام الماضي، وبنوع خاص، عندما أطلقت بيونغ يانغ مسيراتها في سماء سيؤول، فيما رفضت الأخيرة إسقاطها، حتى لا يشتعل المشهد.
بالقدر نفسه تبقى الدروب من نيودلهي إلى بكين، مليئة بالألغام، والجارين اللدودين يكادا أن يضحيا فريسة للتوترات وبخاصة بعد إنتشار الآلاف من الجنود عبر سلاسل جبال الهملايا. ماذا عن بقية الملفات الساخنة التي تحجب شمس السلام هذا العام؟* كاتب مصري