كلما تأملنا حال الكثير من دول القارة الأفريقية ومصاعبها الاقتصادية، يُعاد طرح الأسئلة نفسها حول أسباب الركود الاقتصادي في قارة تملتك الثروةَ البشرية والموارد الغنية!

ولا يمكن القبول بالمبررات التي تتكرر دائماً، مثل الحديث عن تعرض القارة للاحتلال والاستغلال، إذ أن دولها حصلت على استقلالها، وأصبحت تمتلك زمام قراراتها، لكن يبدو أن إرادة التنمية معطّلة، والرغبة في النهوض غير متوفرة، والفساد ما يزال مسيطراً بل هو اللاعب الأول في القارة.

ومن حيث الواقع السائد لا نستطيع القول إن صورة دول أفريقيا التي اشتهرت بها خلال العقود الماضية تغيرت، فالحديث عن الفساد والفوضى والانقلابات العسكرية ما يزال قائماً، وهذا مؤشر خطير على انعدام الاستقرار السياسي والاجتماعي الذي لا بد منه لتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي، والأهم من ذلك توفر الإرادة والرغبة في تغيير الواقع إلى الأفضل.

والأخطر من كل ما سبق استمرار تجنيد الأطفال في بعض دول إفريقيا وإلحاقهم بالحروب بدلاً من المدارس، وذلك يعيد إنتاج التخلف والفقر، ويتسبب في استدامة الفشل الاقتصادي الذي يجعل من أغنى قارات العالَم أفقرَها. وما أكثر التقارير التي تتحدث عن إقحام الأطفال الأفارقة في النزاعات المسلحة، ومنها ما ذُكر من أن مئة ألف طفل أفريقي يشاركون بالفعل في الصراعات المسلحة بدول القارة، في مؤشر إضافي على مستقبل غير آمن لأفريقيا وأطفالها الذين يتم حرمانهم من التأهيل وتحديد مصيرهم، والحكم عليهم بتحويلهم إلى أشخاص فقراء وأميين منذ الطفولة.

أما الدليل على أن التعرض لحقبة الاحتلال فلا يمكن أن يبقى مبرراً دائماً للتخلف وتعطيل النمو الاقتصادي، فهو ما نراه في العديد من دول العالم، وخاصة في قارة آسيا وغيرها من الدول التي تعرّضت للاحتلال وواجهت الاستغلال وسرقة الموارد، لكن شعوبَها اجتهدت وكافحت بمجرد حصولها على الاستقلال، واستطاعت أن تطور من اقتصاداتها، وأن تحقق لنفسها حضوراً في الساحة العالمية، وأصبحت تعقد الصفقات والاتفاقات مع الآخرين من موقع الشريك القوي والمنافس الند، وبذلك حققت مصالحَ لشعوبها ووفّرت فرصَ العمل لمواطنيها.

وأقرب الأمثلة ما نجحت في تحقيقه الهند التي عانت من الاحتلال ومن الكثافة السكانية والفقر والبيئة الزراعية التي كانت تحد من منافستها للدول الصناعية.. لكنها رغم ذلك نهضت وأصبحت توصف بالعملاق الآسيوي الذي ينافس كبريات الدول الصناعية من حيث النمو والناتج الإجمالي وكثافة المؤهلين الذين يتخرجون كل عام ويحققون لاقتصاد الهند مؤشرات نمو عالية لأنهم يندرجون ضمن مواردها البشرية التي يقبل عليها العالم. ومن الأمثلة الناجحة كذلك على النمو والنهوض والتخلص من الأزمات والفقر في آسيا، هناك نماذج عديدة مثل الصين وتايوان واليابان وكوريا الجنوبية.

وبعيداً عن عمالقة التصنيع الذين بدؤوا يكتسحون أسواقَ العالم، تحقق دولة مثل بنغلاديش نجاحات مستمرة في اجتذاب الاستثمارات، ولديها معامل وخطوط إنتاج لأشهر الماركات العالمية، وبذلك وفرت للأيدي العاملة آلاف الفرص داخل بلدهم. ورغم تأثرها بالهزات الاقتصادية من حولها، ما تزال بنغلاديش تصعد في سلم النمو كل عام وفقاً للمؤشرات العالمية.

وبالمقابل تظل معظم دول إفريقيا في خانة الدول التي تدرجها المنظمات الدولية ضمن قائمة المساعدات، ومع كل وباء ينتشر أو أزمة اقتصادية تعصف بالعالَم يظهر الخلل في إفريقيا لجهة سوء استخدام الموارد وانعدام الرؤية الاقتصادية، وتحول القارة إلى أكبر مصدر للمهاجرين الذين ينظرون للغرب مقارنةً ببلدانهم وكأنه الجنة الموعودة، وذلك يجعل التحدي أمام شعوب إفريقيا مضاعفاً، ويتطلب من نخبتها بناء إرادة قوية للانتقال بالقارة إلى وضع أفضل.

*كاتب إماراتي