اعتدت والصديق عودة أبو ردين مشاركة بعض تفاصيل التاريخ السياسي للمنطقة، وخصوصاً بعض ما تركته تلك التفاصيل من بصمات قاد بعضها لتحولات إقليمية كبرى، وأهمها عملية السلام التي أقدم عليها ندان عاشا أدق تفاصيل الصراع العربي الإسرائيلي. ميثاق السلام التي وقع عليه كل من الراحل أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن كان وإلى يومنا هذا أهم مفاصل التحولات السياسية الكبرى في المنطقة مع تفاوت المكاسب نتيجة سوء التقدير الاستراتيجي عربياً.

استوقفني اليوم فيديو قصير بالأبيض والأسود لمحادثة هاتفية بين الرئيس أنور السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحيم بيغن، وهما يتبادلان التهنئة بجائزة نوبل للسلام لعام 1978، فهما خصمان فرضت نديتهما نوعاً آخر من الاحترام الوطني وفهماً عميقاً لمسؤولياتهما السياسية. ذلك الاحترام المتبادل والإحساس بالمسؤولية الوطنية هو ما يفتقده رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالي بنيامين نتنياهو، وهو اليوم يضع إسرائيل على مسار قد يقود للإضرار بالمبادئ التي قامت عليها دولة إسرائيل اجتماعياً وسياسياً ناهيك عن كل ما حققته مواثيق السلام العربية الإسرائيلية من كامب ديفيد وصولاً للمواثيق الإبراهيمية.

تتمثل أهم التحديات السياسية الإسرائيلية بقانوين ليفين (وزير العدل الإسرائيلي)، فهو يهدد بإبطال أهم الركائز التي تقوم عليها الدولة المدنية، وهو الفصل بين السلطات وأهمها القضاء الأعلى، فذلك القانون حال إقراره، سوف يخول الأغلبية البرلمانية القائمة سلطة إبطال سلطات المحكمة العليا الإسرائيلية، بل وتحييد قوة نفاذ أحكامها بما يتناسب ورؤية نتنياهو وحلفائه. وذلك تحديداً ما سوف يعيد للمشهد سياسات مثل ضم الضفة الغربية، ومواطنة عرب 1948، الوضع القانوني للمسجد الأقصى، وآخرها اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع لبنان. ما سبق هي العناوين العريضة فقط للمشهد العام، إلا أن وطأة ذلك سياسياً ستكون ملموسة ومحسوسة على امتداد الشرق الأوسط والعالم، وقد سبق أن قادت زيارة وزير الأمن الوطني الإسرائيلي إيتمار بن غفير للمسجد الأقصى إلى امتعاض دولي، ومطالباتٍ بمحاسبة إسرائيل عبر جلسة مفتوحة لمجلس الأمن، والجدير بالذكر أن المقترح قد قُدم من الإمارات العربية المتحدة والصين. وقد ادعى رئيس الوزراء نتنياهو معارضته لتلك الزيارة.

المبدأ الذي تقوم عليه فلسفة نتنياهو السياسية هو (إسرائيل القوية والقادرة على إخضاع الآخرين لإرادتها)، ويتعارض ذلك، وكل المبادئ التي قامت عليها المواثيق الإبراهيمية، والتي قادت لإحياء كافة مواثيق السلام العربية الإسرائيلية السابقة وبوابة لاتفاقيات جديدة. فهل سيغامر الإسرائيليون بكل تلك المكاسب والتعايش مع قرار انتخاب غالبيتهم أحزاب قد يقود استدامتها تحويل إسرائيل الديمقراطية لأخرى ثيوقراطية عِرقية، ذلك هو التحدي الحقيقي لهوية الدولة.

وإنْ كان للتاريخ محطات استدلال، فعلى الإسرائيليين البحث في تاريخ من وقّع على اتفاقيات كامب ديفيد نتيجة احترامهم لمسؤولياتهم الوطنية والإقليمية.

* كاتب بحريني