بعد سنوات من القطيعة عقب اندلاع الاحتجاجات في سوريا في مارس 2011 واصطفاف الحكومة التركية إلى جانب المعارضة السورية، برزت مؤخراً مؤشرات تقارب تدريجي بين الحكومتين السورية والتركية، حيث بدأ التحول المعلن في مواقف أنقرة تجاه دمشق بتصريح مولود تشاويش أوغلو وزير الخارجية التركي، في 11 أغسطس 2022، والذي قال فيه: «علينا أن نصالح الأطرافَ المتنازعة، وإلا فلن يكون هناك سلام دائم، يجب أن تكون هناك إدارة قوية لمنع انقسام سوريا».

فما دلالات التقارب التركي السوري؟ وما تأثيره على المعارضة السورية وعلى ملايين اللاجئين السوريين في تركيا؟ وما انعكاسات التقارب الجديد على حظوظ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في الفوز بالانتخابات الرئاسية المقررة في يونيو المقبل؟

وهل سيدفع الأكرادُ ثمنَ التقارب التركي السوري؟أعلن الرئيس أردوغان في الخامس من يناير الجاري عن إمكانية عقده لقاءً مع الرئيس السوري بشار الأسد، في خطوة متطورة من خطوات التقارب بين البلدين، كاشفاً النقاب عن اجتماع ثلاثي يضم سوريا وتركيا وروسيا.

وكان اللقاء الرسمي الأول قد نظمته موسكو في 28 ديسمبر، وضم وزير الدفاع التركي خلوصي أكار ونظيره السوري علي محمود عباس، وبحضور وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو. وتناولت النقاشات بين الجانبين ملف اللاجئين ومسألة المسلحين الأكراد. وينتظر أن يُعقَد لقاءٌ آخر في منتصف الشهر الحالي بين وزراء الخارجية.. مما يشير إلى صفحة جديدة بين أنقرة ودمشق قد تطوي سنوات من الجمود والعداء بين البلدين.

والواقع أن التقارب السوري التركي يخدم عدداً من الملفات المشتركة بين البلدين، أبرزها ملف محاربة الجماعات المسلحة التي سماها وزير الدفاع التركي بـ«التنظيمات الإرهابية» وذكر منها «داعش» و«حزب العمال الكردستاني» و«وحدات حماية الشعب» (الكردية)، والتي تشكّل كذلك تهديداً لسوريا على حد قوله.

وتهدف الحكومة السورية إلى استعادة المناطق التي تسيطر عليها تركيا شمالي سوريا، ومد سيطرتها إلى المناطق الخاضعة حالياً لـ«قوات سوريا الديمقراطية» (قسد)، وهي مناطق الآبار النفطية. وتحتاج دمشق إلى دعم أنقرة لتحقيق هذا الهدف، في محاولة لتفادي هجوم عسكري تستعد أنقرة لشنه في الشمال السوري ضد مواقع «قسد»، سعياً للقضاء نهائياً على الجماعات المسلحة الكردية هناك، وعلى رأسها «وحدات حماية الشعب»، وهي العمود الفقري لقوات «قسد» التي تصنفها أنقرة كمنظمة إرهابية وتعتبرها امتداداً لـ«حزب العمال الكردستاني» التركي.

وتخوض تركيا حرب استنزاف ضد الميليشيات الكردية، خاصة بعد الاعتداء الذي استهدف قلب مدينة إسطنبول في نوفمبر الماضي، حيث وَجَّهت أصابع الاتهام لـ«وحدات حماية الشعب» الكردية.

ويشكِّل موضوعُ اللاجئين السوريين ملفاً محورياً بالنسبة لتركيا، إذ تستضيف مليون لاجئ سوري، تطالب الغالبيةُ العظمى من الأتراك وأحزاب المعارضة التركية برحيلهم، خاصةً مع تفاقم المشاكل الاقتصادية وتَحوُّلِ ملف اللاجئين السوريين إلى ملف انتخابي، حيث يتبنّى عددٌ من أحزاب المعارضة قضيةَ طرد اللاجئين وتحاول تحويله إلى ملف انتخابي ضد الحكومة قبل الانتخابات الرئاسية القادمة.

خطوات التقارب التركي السوري المدعوم من روسيا ستؤسس لواقع سياسي. وفي ضوء ثقل الملفات السياسية العالقة والقضايا الأمنية الشائكة، يُتوقَّع أن تشهد المنطقةُ تزايداً في التنسيق الأمني بين الجانبين، فيما قد تظل بعضُ الملفات العالقة عقبةً دون التوصل إلى تطبيع سياسي كامل بين الجانبين في المدى المنظور.

*كاتبة إماراتية