كل الذي يجري هذه الأيام بأفغانسان ضد المرأة يعبر عن تطرف شرس ضد الإنسانية، وفوق ذلك تقول طالبان إنها مع حقوق المرأة وتعليمها. وسلوكها لم ينته عند أحداث قتل واغتيال للشرطة، وتسريب فيديوهات تهدد الألمان بـ«الانتقام». 
معلوم أن ألمانيا غامرت بإيواء قدرٍ كبيرٍ من اللاجئين، مما منح أصوات اليمين مشروعيةً بالطرح، بوصفها حاميةً للهويّة الأصلية، ومدافعة عن ألمانيا قومًا وجذرًا، وهو تحوّل بالثقافة الألمانية الباردة تجاه الأجنبي وذلك ضمن اعتياد ثقافي ورسم قانوني.
الصوت المناوئ للاجئين والمهاجرين أخذ يتصاعد بعد حادث الدهس داخل سوق عيد الميلاد ببرلين، الذي أودى بحياة اثني عشر شخصًا، وأكثر من أربعين جريحًا. ردة الفعل الأكثر دويًا كانت من «حزب البديل لأجل ألمانيا» «إيه إف دي» المعارض للاتحاد الأوروبي والمعادي للاجئين، حيث دعا صراحةً إلى: «تطبيق حظر فوري على دخول أي أشخاص غير معروفي الهوية إلى ألمانيا».
كل هذه التعليقات تعيدنا إلى مشكلة الهويّة الإسلامية، وعلاقتها مع الهويّات الأوروبية الأخرى.
لقد شكّلت عواصم أوروبية في الثلث الأخير من القرن العشرين جنةً باردةً لرموز الإسلام السياسي، مستغلين الحريات، ومتسللين من «روح القوانين» على حد تعبير مونتسكيو. استغلوا الحقوق، واستفادوا من القيم الأوروبية، المتيحة للغريب فرص العودة إلى هذه الديار حين يخر السقف من فوقهم، أو تضيق بهم ديارهم، أو تطاردهم حكوماتهم، أو تزلزل الأرض من تحتهم.
غير أن المرحلة لن تطول، وآية ذلك أن البركان النقدي ضد المهاجرين والغرباء والمتطرفين قد تفجّر بفرنسا منذ أحداث «شارلي إيبدو». على سبيل المثال، نشر آلان غريش رئيس التحرير السابق لـ«لوموند ديبلوماتيك» بعد الحادثة كتابًا بعنوان: «الإسلام، الجمهورية، العالم» المؤلف مشهور بانتمائه اليساري. مباشرةً وبعد أن افتتح الكتاب بقراءةٍ لحادثة «شارلي إيبدو»، خصص أبوابًا عن «حرب وصدام الحضارات» تضمّن بالطبع أمنيات ومواعظ حسنة للساسة والحكومات الغربية بأن يكونوا جيدين تجاه المسلمين، لأنهم غير مضرّين، ومن يمارس الأعمال الإرهابية لا يمثلهم.
يردّ غريش بالكتاب على أطروحة برنارد لويس التي تقول: «إن الحقد يذهب إلى ما هو أبعد من حالةِ العداوة إزاء بعض المصالح أو الأعمال الخاصة، أو حتى إزاء بلدانٍ معيّنة، ليصبح رفضًا للحضارة الغربية كما هي، وهو كره ليس لما تفعله فقط، وإنما لما هي عليه وللمبادئ والقيم التي تطبقها، أو تجاهر بها». يردّ غريش: «هذا التصوّر يستتبع أن لا جدوى من إيلاء الأولوية لإزالة الظلم الذي يعصف بالعالم الإسلامي كما في فلسطين أو العراق، أو حالة المشكلات الاجتماعية». ثم سرعان ما يعترف بأن المسلمين - مهما فعلنا- فهم يكرهون الغرب. وهذا فيه خلل شديد.
* كاتب سعودي