في الآونة الأخيرة، أخذ القتال بين طرفي الصراع في حرب أوكرانيا يشتد ويصبح أكثر كثافة، ما بين هجومٍ وهجوم مضاد، وقصف بالمدفعية وقصف بالصواريخ والدرونز، واستهداف معسكرات الجنود والبنية التحتية الحيوية، وإن تزايد الاعتماد على الهجمات الصاروخية والجوية، ولاسيما من جانب القوات الروسية.

وهذا القتال الشديد المكثف متواصل في الشرق والجنوب والسماء الأوكرانية، وإن تركز معظمه في الشرق حيث إقليم الدونباس الصناعي الغني بموارده، وبالتحديد على خط (سافتوف-كيرمينا)، في مقاطعة لوهانسك، وحول باخموت، بمقاطعة دونيتسك. وفي الوقت نفسه، تتواصل الجهود الروسية لترسيخ السيطرة على المناطق الأوكرانية المحتلة.

هذا هو تشخيص الوضع العسكري الراهن في الحرب الروسية-الأوكرانية التي تقترب من شهرها الحادي عشر. وتتوقع ثلةٌ من المحللين والمراقبين حالة من الجمود سوف تسم مسار الحرب هذا العام، بمعنى عدم تمكن أي طرف من تحقيق مكاسب إضافية برغم كثافة القتال الذي لا يفضي سوى لاستنزاف الطرفين، حيث تتزايد الخسائر البشرية والخسائر الاقتصادية على الجانبين.

ومع ذلك، فإن ثمة متغيرات جديدة قد تغير هذا السيناريو لمصلحة روسيا. أول هذه المتغيرات هو تكليف رئيس الأركان الروسي، فاليري غيراسيموف، بقيادة «العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا»، وتعيين ثلاثة نواب له من أرفع الجنرالات درجةً في الجيش الروسي (القائد السابق للقوات الروسية في أوكرانيا، قائد القوات البرية، ونائب رئيس الأركان).

ويرى المراقبون أن تعيين هذه النخبة من القيادات العسكرية سوف يُسهم في تعزيز الجهود الروسية لاستعادة الأراضي التي فقدتها جرّاء الهجوم الأوكراني المضاد، وربما تحقيق مزيد من التقدم باتجاه تحقيق هدف تأمين السيطرة على المقاطعات الأربع (لوهانسك، دونيتسك، زابورجيا، وكيرسون) التي ضمتها موسكو إليها في سبتمبر 2022.

وبالنظر إلى العلاقة الجيدة بين رئيس الأركان الروسي ومالك شركة فاغنر الأمنية «يفغيني بريغوجين»، فإن العمليات العسكرية، ولاسيما في حوض الدونباس، سوف تجري بطريقة أكثر تنسيقاً. كما أنّ إدخال روسيا أسلحة نوعية جديدة إلى ساحة القتال، مثل المقاتلات الاستراتيجية والصواريخ فرط الصوتية وزيادة إمداداتها من طائرات الدرونز الإيرانية، من شأنه أن يحيد تأثير الإمدادات الغربية لأوكرانيا بأسلحة متقدمة.

المتغير الثالث هو إعلان الكرملين أن الناتو والولايات المتحدة أصبحا طرفاً غير مباشر في الحرب، وتحذيره من استهداف الأسلحة الغربية، ولاسيما الثقيلة منها كالدبابات ونظم الدفاع الصاروخي، فور وصولها أوكرانيا، قد يمثل ردعاً للدول الغربية من إرسال مزيد من السلاح لأوكرانيا.

المتغير الرابع هو أنّ تتابع المناورات العسكرية بين روسيا وبيلاروسيا، والتي تركز على سيناريوهات حرب المدن والحرب الجوية، والزيارات المتبادلة بين قيادتي البلدين، والشحنات العسكرية الروسية لبيلاروسيا تعزز ما يذهب إليه البعض من استعداد روسيا لشن هجومٍ واسع في الربيع المقبل على شمالي أوكرانيا، ربما ينطلق من بيلاروسيا.

والخلاصة أن هذه المتغيرات جميعاً سوف يكون لها تأثيرها البالغ في مجريات الحرب في أوكرانيا، وقد ننتقل من حالة الجمود إلى حالة من الهجوم الروسي في الربيع من الشمال وفي الشرق، ما قد يسفر عن تحقيق أهداف العملية الروسية في أوكرانيا. وربما يؤيد هذا السيناريو سيطرة القوات الروسية على سوليدار، بعد أشهر من المعارك، واتجاهها لتطويق مدينة باخموت الاستراتيجية من الشمال والجنوب، وتعطيل خطوط الاتصال والإمداد الأوكرانية في إقليم الدونباس.

*خبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية