مع إعادة طرح ملف الوثائق السرية التي وجدت في مكتب الرئيس جو بايدن عندما كان نائباً في إدارة الرئيس أوباما يعاد السؤال المطروح لماذا الآن، وفي توقيت بالغ الأهمية بالنسبة لاستقرار الأوضاع في الكونجرس بعد معركة انتخاب كيفين مكارثي رئيسا وبعد شد وجذب والواقع أن حالة الصراع في الكونجرس ستستمر، والقضية ليست إثارة ملف التعامل الرئاسي مع الوثائق، وإنما فيما يرتب له الحزبين للآخر، وفي ظل ما يجري استعدادا لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة خاصة، وبعد أن أعلن الرئيس الأمريكي السابق ترامب خوضه الانتخابات المقبلة 2024، والمرجح أيضا أن يخوضها الرئيس بايدن بصرف النظر عن تقدمه في العمر، ومخاوف الحزب «الديمقراطي» من عدم قدرته علي الحكم في ظل محاولات الدفع بأسماء أخري مرشحة من صقور الحزب ومنهم.
يقابل ذلك سعى الحزب «الجمهوري» لاستثمار أي ملف مستجد ليس فقط ملف التسريبات السرية، والتي ستباشره وزارة العدل الأميركية، والتي فتحت تحقيقاً عاجلاً لمعرفة ما الذي جري بالفعل، وهو ما قد يشير إلى أن الأمر قد تجاوز بالفعل ما سيجري حزبيا. وسيتابع المدعي العام مسار التحقيقات، وعلى اعتبار أن هذه الوثائق، وتأمين بياناتها مهمة مجمع الاستخبارات العام بما يملكه من صلاحيات في هذا الإطار. 
الرسالة التي تبدو موجهة هدفها الرئيسي ممارسة الحزب «الجمهوري»، ونوابه في الكونجرس لصلاحيات رقابية على إدارة الرئيس بايدن، ومحاوله إحراجه بدليل تشكيل لجنة الرقابة في الكونجرس تحقيقاً مواز مع التأكيد على طبيعة الوثائق التي حصل عليها الرئيس بايدن، ولماذا احتفظ بها، ولماذا لم توضع في الأرشيف الوطني وفق المعايير المتعارف عليها. ولعل ما يجري في الكونجرس يأتي رداً على ما جري مع الرئيس ترامب في عام 2021عندما اقتحم عملاء كبار من مكتب التحقيقات الفيدرالية منزله في فلوريدا، وعثروا على 15 صندوقا مكتظاً بالملفات، وأدى الأمر أيضا إلى تحقيقات موسعة غير مسبوقة، ولم يتم البت النهائي فيما جرى، وفي حال توجيه اتهامات مباشرة للرئيس السابق ترامب فإنه لن يكون قادرا على الترشح رسميا، والمعنى أن الرئيسين السابق، والحالي متهمان بالفعل بسوء التعامل مع معلومات وبيانات تمس الدولة الأميركية ووثائقها الوطنية.
والواقع أن ما يجري بين النواب من الحزبين داخل الكونجرس ومجلس الشيوخ يؤكد أننا سنكون أمام كونجرس مختلف، وأنه سيكون ساحة حقيقية لصراع ممتد مرتبط ليس فقط بحالة التربص الراهنة في مجمل السياسات العامة للحزبين، فهذا أمر طبيعي، وإنما بمسار الاستقرار داخل الكونجرس لتمرير مجمل التشريعات المعطلة، والخاصة بفرص العمالة والتضخم والرهونات العقارية وفتح الاقتصاد، والتشغيل الجزئي والقروض الشخصية، وغيرها وأيضاً في إطار العلاقات مع الخارج والتعامل مع الأزمات الدولية، وتوفير مخصصات الدعم لأوكرانيا، وإستراتيجية التعامل مع الصين وفق رؤية إستراتيجية الدولة الفيدرالية، والتي تم طرحها في أغسطس من العام الماضي، وإعادة بناء آليات التعامل مع دول الناتو الأمر الذي يشير إلى أن هناك أولويات يجب أن يعمل عليها الكونجرس الجديد، وسينتقل إلى مرحلة حقيقية لممارسة الأدوات التشريعية دون تربص قد يضر الصالح العام وهو ما يضعه البعض من صقور الحزبين في أولوياتهما في الوقت الراهن، والتحذير من أن استمرار هذه الحالة في الكونجرس ليس فقط مرتبطا بصراعات حزبية، وإنما أيضا مرتبط بحالة الاستقرار في مركز صنع القرار الفيدرالي، والذي قد يصل في مساره الراهن لحالة من الشلل السياسي، والذي قد يضر بالمصالح العليا للأمة الأمريكية بأكملها، وليس هذا الحزب أو ذاك. 

معركة الانتخابات الرئاسية ستبدأ خلال الأشهر المقبلة، وستتطلب مقاربة حزبية رشيدة من قبل الحزبين، حيث ما زال مشهد اقتحام الكونجرس ماثلا في أذهان الجمهور الأميركي، وما ارتبط بالمساس بقيم النموذج الأميركي التي يتم تصديرها للعالم، ومن ثم فإن منطق الرشادة السياسية حزبيا سيحتاج إلى تقريب وجهات النظر، وعدم الاستمرار في نهج الصدامات الدورية، وفي قضايا يراها جمهور كبير من الأميركيين وفقا لاستطلاعات الرأي تمس الاستقرار الداخلي، ومرتكزات النموذج الأميركي بأكمله.
*أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية