دعت دولة الإمارات العربية المتحدة إلى العمل على حماية الأماكن الدينية في ظروف النزاعات والأزمات. وذكّرت بدور الزعماء الدينيين في نشر قيم التسامح والسلم وتعزيز القواسم المشتركة في الأديان والأخلاق.

وإلى هذا وذاك ضرورة الالتزام بالقانون الدولي والدولي الإنساني. ألقى هذا البيان باسم دولة الإمارات أمام مجلس الأمن نائب المندوب الدائم للدولة في الأُمم المتحدة، وذلك في سياق التنديد بما يحدث في الحرب الروسية الأوكرانية لجهة كثافة الإصابات بين المدنيين، وما ينال المعابد الدينية هناك وفي فلسطين وأماكن أخرى.

وكانت دولة الإمارات قد اشترعت قبل سنوات قانوناً ضد الكراهية وازدراء الأديان. وفي وثيقة الأخوّة الإنسانية وميثاق حلف الفضول الجديد، وكلاهما انعقد بأبوظبي، دفاع عن الحريات الدينية ودعوة لحماية أماكن العبادة. ويعرف تاريخ العلاقات بين الأديان، علاوة على المجادلة والإنكار، الاعتداء من جانب الغالب أو المستضعِف على أماكن العبادة للطرف الآخر. وقد يكون الاعتداء إنكاراً للدين ذاته، وقد يكون ردّة فعلٍ على عملٍ عدواني مماثل.

وفي كلتا الحالتين، صارت هذه الأمور شديدة الإزعاج والإنكار من جانب العقلاء والزعماء الدينيين المستنيرين، ثم دخلت في القوانين الدولية، وفي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ولقاءات الحوار بين الأديان في العقد الأخير.الموضوع في الأساس هو موضوع الحريات الدينية. وقد صارت الدساتير الحديثة تنصُّ على حريات العقيدة والعبادة والتعليم. ونقرأ في القرآن الكريم قوله تعالى: «لا إكراه في الدين». ويقول بعض المفسرين إنّ من الإكراه التعرض لأماكن العبادة.

فما من دينٍ إلا ويتضمن عباداتٍ وأماكن لإقامتها. ويقول ياقوت الحموي في «معجم البلدان» خلال الحديث عن «النوبهار» (اسم معبد النار للزرادشتيين)، وكان من المعتقد أنّ الديانات الإبراهيمية هي التي تختص بالمعابد، ثم تبين أنّ كل الأديان عندها معابد، وتختص المسيحية أنّ فيها أماكن متنوعة للعبادة مثل الكنائس والأديرة. وفي الأصل ليس في مجالنا الديني والثقافي تنكُّر للديانات الأخرى الإبراهيمية وغيرها. لكن عبر التاريخ حدثت اعتداءاتٌ على الكنائس.

وفي العصور الوسطى المسيحية جرت من جانب الكنيسة والسلطات اعتداءاتٌ على المساجد والكنس، وتهجير أو قتل أو إرغام على اعتناق المسيحية في إسبانيا وغيرها. ثم كان هناك تاريخ مقبض للتعامل بين الطوائف المسيحية المختلفة خلال ثلاثة قرون، وأخطر الاضطرابات بين الكاثوليك والبروتستانت في القرنين السادس عشر والسابع عشر. ومن أجل ذلك جاءت رسالة جون لوك حول التسامح في سبعينيات القرن السابع عشر. ثم صارت الحريات الدينية شأناً مسلَّماً به، وكما سبق القول في العقيدة والعبادة والتعليم.

والواقع أنه في السنوات الأخيرة، وفي مواطن تاريخية للتعددية الدينية في سوريا والعراق وميانمار والهند، جرت اعتداءاتٌ كثيرةٌ على ذوي الدين المختلف أو الطائفة المختلفة، وعلى أماكن عباداتهم. على من تقع المسؤولية أو من يتحملها؟ بيان دولة الإمارات أمام مجلس الأمن يتحدث عن سياسات الدولة الملتزمة بقوانينها حول التسامح والتعايش، وبالقانون الدولي والدولي الإنساني. كما يتحدث أيضاً –مع الدول والسلطات- حول أدوار وواجبات الزعماء الدينيين. إذ في العادة يؤثر هؤلاء على الجمهور، الذي تخرج منه أحياناً فئات متشددة تنكر على «الأقليات» حقوقَها الدينيةَ والوطنيةَ!

وينبغي أن لا يجد هؤلاء سكوتاً ولا تغطيةً من جانب الزعامات الدينية أو السياسية. وتذكر كثير من الدراسات أنه في بعض الأنظمة الديمقراطية أن الأحزاب السياسية تحاول زيادةَ أصواتِها في الانتخابات عن طريق مجاملة المتطرفين الدينيين والوعد بتلبية مطالبهم الإقصائية أو التوتيرية.

وفي مجالنا الديني والثقافي لا يقتصر الأمر على الإنكار على المتطرفين، بل لا بد من تطوير رؤى منفتحة وعصرية تؤسس للاعتراف بالتعددية الدينية، ولحقوق الآخرين في حرية العقيدة والعبادة والعيش الديني الحر والمسؤول. في دولة الإمارات تعيش وتعمل أكثر من مائتي جنسية، تعتنق ديانات متباينة، وهي تحيا آمنةً ومستقرةً وتمارس عقائدها وعباداتها بكل حرية. وعلى هذا المثال السياسي واستناداً إليه، صارت الدولة نموذجاً رائداً للتسامح والعيش معاً في الدولة الوطنية المزدهرة.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية