يشير اقتصاديون مصريون كبار إلى أن المعضلة الاقتصادية المصرية الحالية تعالج حتى الآن عن طريق استخدام المسكنات فقط، ولا يتم المساس بالأصول الأساسية والجوهرية التي تنبع منها، حيث تتركز الجهود على مواجهة الجوانب الشكلية لها، وليس على الجوانب الجذرية.
وهذا النمط من العلاج له من يغذيه من بعض القوى الاجتماعية المستفيدة من المشاكل الاقتصادية وتتغذى عليها.
إن تلك الفئات الاجتماعية المستفيدة من الأوضاع المتردية القائمة، هي وحدها التي تملك أسباب الإنفاق البذخي، وهي وحدها التي يمكن لها إيقافه.
ومن المعلوم أن موضوع التقشف أو «شد الأحزمة على البطون» قضية اجتماعية بالدرجة الأولى وليست قضية سياسية تملى من أعلى وتفرضها الدولة، ومن ثم يعيشها معظم أفراد الشعب.
وهذا يعني أن موضوع التقشف يكمن في يد الفئات الاجتماعية العليا من المجتمع، مما يترتب عليه حالة قلق اجتماعي لها تداعيات سياسية خطيرة، أهمها إمكانية قيام الإخوان والجماعات المتطرفة والإرهابية الأخرى باستغلال الأوضاع الاقتصادية والمعيشية السيئة لتحريك الشارع ضد الدولة والمجتمع والسلطات الحاكمة.
من جانب آخر، من الواضح الآن من سياسات مصر الاقتصادية بأنها لن تستطيع حل جميع مشاكلها الاقتصادية حلاً جذرياً، مرة واحدة وإلى الأبد، اعتماداً على قدراتها الذاتية، وهي تقف وحيدة في مواجهتها، بمعنى أنها تحتاج إلى الدعم الخارجي والمساعدات الخارجية، العربية بشكل خاص، ومن قبل دول مجلس التعاون الخليجي بشكل أكثر خصوصية.
لكن هناك حقيقة راسخة وأزلية، هي أنه في عالم اليوم، وفي عالم الاقتصاد والسياسة، لا يمكن أن تتوفر هذه المساعدات دون ثمن أو دون مقابل، وهي حقيقة يجب تقبلها بصدر رحب وبسعة أفق. لذلك، فإن المهم هنا هو أن تأخذ المساعدات المستهدفة أشكالاً من أوجه الاستثمارات الحقيقية المضمونة.
ومن المعلوم أن قوانين الاستثمارات الخارجية داخل مصر معيقة وصعبة جداً ومن الصعب أن تتقبلها الجهات الخارجية المستثمرة بالشكل الذي هي عليه الآن.
ويضاف إلى ذلك أن مصر تعاني من مشكلة تتعلق بتوجيه المساعدات الخارجية لأغراض الاستثمار، فهذه الأموال يتم توجيهها نحو شراء ودعم السلع المستوردة من الخارج لأغراض الاستهلاك الداخلي واسع النطاق، وهذه في حد ذاتها مسألة معيقة ومعرقلة لكل من الإصلاح الاقتصادي والاستثمار، هذا بالإضافة إلى دفع أجزاء من هذه الأموال لتسديد الديون الخارجية.
موضوع تسديد الديون الخارجية معقد، ويزيد الأزمة الاقتصادية المصرية سوءاً، فمصر تقترض من الخارج مليارات الدولارات كل عام، وعلى مدار أشهر السنة.
إن قروض مصر الخارجية ذات آجال قصيرة، وآجال متوسطة، وآجال طويلة يترتب عليها ديون خارجية كبيرة وفوائد ضخمة تزيد من الأعباء المالية التي تتحملها خزينة الدولة، لكن أصعبها هي القروض قصيرة الأجل.
والمهم في الأمر أن هذه الديون السنوية تذهب إلى نمط من الإنفاق الحكومي الاستهلاكي، فجزء منها يذهب إلى تسديد القروض قصيرة الأجل، وجزء آخر للإنفاق على دعم الاستهلاك الداخلي، وما تبقى يذهب إلى تمويل خطط الدولة لإصلاح البنية التحتية الأساسية المتهالكة للبلاد.
هذا الأمر يثير قلق الجهات الخارجية المانحة للقروض أو الممولة وتلك التي تضع الودائع النقدية لدى بنك مصر أو البنك المركزي المصري بغرض دعم العملة الوطنية، فإنفاق تلك الأموال بالطريقة التي تحدث يأخذ طابعاً استهلاكياً وتستخدم لمواجهة العجز المزمن في ميزان المدفوعات بدلاً من أن تذهب إلى الاستثمارات الحقيقية التي خصصت من أجلها.
من الضروري أن تصبح المساعدات صيغاً من الاستثمار الحقيقي الذي يعود بفوائد على مصر وشعبها. وبالنسبة لدول المجلس يعود السبب في ذلك إلى أنها تنظر إلى مصر كعمق استراتيجي مهم ويجب أن تسترد عافيتها الاقتصادية بالطرق والوسائل الصحيحة وفي أقصر وقت ممكن.
* كاتب إماراتي