تبدو الإمارات العربية المتحدة، وفي استعداداتها القائمة على قدم وساق، في طريق الإعداد لمؤتمر الأطراف، الخاص بالمناخ العالمي، «كوب 28»، ماضية قدماً في إعطاء بقية دول العالم دروساً في التفكير بعزم، والعمل بحزم، من أجل استنقاذ الكوكب الأزرق، من الحرب الإيكولوجية التي تشنها الطبيعية عليه.

في أوائل شهر نوفمبر الماضي، وقعت الإمارات شراكة مع الولايات المتحدة الأميركية، بقيمة 100 مليار دولار، للاستثمار في مجال الطاقة النظيفة. وقبل بضعة أيام، تم الإعلان عن تعاون جديد بين الإمارات والجمهورية الفرنسية، عبارة عن برنامج طويل المدى، تتجلى فيه خبرات الدولتين لتطوير فرص تجارية مستدامة، للاستثمار بهدف تسريع حلول للطاقة النظيفة.

هذا النوع من الشراكة، يعد ضرباً من ضروب تضافر الجهود البشرية، وتلاقي إرادة الأمم، الساعية وعن حق لتغيير حال العالم، عبر التخلص من تراكمات الكربون القاتل، ذلك المسبب للاحتباس الحراري بنوع خاص، تلك الظاهرة التي يمكنها القضاء على الأخضر واليابس، حال عدم مجابهتها بطرقة ابتكارية. التعاون الفرنسي الإماراتي، يفتح الطريق واسعاً أمام استخدام حلول الهيدروجين النظيفة في مجال النقل والمواصلات، على سبيل المثال، وهو أحد أكثر مناحي الحياة المثيرة للقلق بسبب ما يتخلف عنه من كربون ضار.

من أبوظبي إلى باريس، شراكة استراتيجية عميقة، ترسخت بقوة في العقدين الماضيين، شراكة تنطلق في آفاق رحبة واسعة، تتصل بمستقبل المنطقة، وقضاياها المعقدة والمتشابكة. ما الذي تدركه الإمارات في شأن المناخ العالمي، ويجعل منها سردية تسعى ليل نهار لتقديم المثل والنموذج؟

باختصار غير مخل، تؤمن القيادة الإماراتية بأن استقرار المناخ خير عام للجميع ومن أجل الجميع، إنه على مستوى الكون، نظام معقد ومتصل بالكثير من الشروط الأساسية للحياة البشرية. وهنالك إجماع علمي راسخ جداً يشير إلى أننا نواجه معاً، غضبة من الطبيعة، وعليه فما من سبيل سوى التحدي الجمعي عبر تسارع الوعي، والعمل العاجل بدقة ونظام.

يسعى التعاون الفرنسي الإماراتي الجديد إلى تجسيد التزام الإمارات وفرنسا، بتسريع عملية تحديد وتمويل المشاريع، ودعم الشراكات المساهمة في تطوير حلول جديدة للطاقة النظيفة، والعمل على خفض البصمة الكربونية للقطاعات ذات المنتجات والعمليات التشغيلية عالية الانبعاثات، والمساهمة في دعم وتحقيق أهداف اتفاقية باريس.

البيئة البشرية والبيئة الطبيعية تتدهوران معاً، ولن يمكننا مواجهة التدهور البيئي بشكل مناسب، إن لم نعر انتباهاً لأسباب التدهور البشري والاجتماعي.أول هذه الأسباب، هو البحث عن طوق نجاة فردية، وهذا ما لن يحدث، فقارب البشرية يبحر في عالم واحد، وعليه فإما أن يصل الجميع إلى بر الأمان، أو العكس لا قدر الله، أي أن يغرق الجميع سوية.

أفضل الكلام في هذا السياق، هو ما صرح به معالي الدكتور سلطان الجابر، وزير الصناعة والتكنولوجيا المتقدمة، الرئيس المعين لمؤتمر أطراف المناخ «كوب-28»، وعنده أن العزم والحزم هما سمات الإمارات الساعية للعمل والإنجاز، واحتواء الجميع، والإسهام في اتخاذ إجراءات عملية تغير الأوضاع وتبدل الطباع، سعياً لعمر مديد لكوكبنا العامر.

الإمارات ومن غير تهوين أو تهويل، تدرك كيف أن العالم أمام نقاط مفصلية، وزمن تحولات جذرية، وحروب مرشحة لأن تضحى كونية، وعليه تحشد جهودها، كي ينتبه العالم للتحدي البيئي وتعطي بذاتها، وبالتعاون مع بقية دول العالم خير المثال.

* كاتب مصري