لأسباب عديدة أعشق فصل الشتاء بما يتركه من أثر جميل في نفسي، ولا أخفي عشقي هذا خصوصاً وأن ذاك الفصل يحمل المطر الذي يبث رائحة الأرض الطيبة ويغسل الطبيعة والأرواح معاً. لا أزال أذكر وأنا في مرحلة الصبا كيف كنت أرقب حركة الطيور التي كانت تهرب نحو أوكارها مع تباشير المطر، فيما ترتوي الأرض وتُعشب في الربيع.
ذاكرة المطر المسكون أنا بها مرتبطة بأفلاج مدينة العين التي هي مسقط رأسي وهواي. تلك المدينة التي يقع في حبها كل زائريها وتكتحل عيونهم بجمال مشاهد الطبيعة فيها، ولا سيما أن أمطار فصل الشتاء فيها تملأ آبارها وأفلاجها بالماء فيفيض الخير في بساتينها ومزارعها.
في مدينة العين أو مدينة الأفلاج كما نسميها، نظم الري التقليدية فيها تعتمد بشكل كامل على الأفلاج تلك التي نعتبرها شاهدة على عبقرية الأجداد، وعلى مقدرتهم على تخطيط وتنفيذ أقنية تحت الأرض استطاعت منذ آلاف السنين مقاومة العوامل الطبيعية والزمن. ولأن تلك الأفلاج موجودة كلها في مناطق الواحات التي ترتفع فيها أشجار النخيل بالدرجة الأساسية، إلى جانبها أشجار ونباتات أخرى، فإن كل أهل العين يعتبرونها من أهم ما لديهم لأنها تدر عليهم الطيب من التمر والثمار والخضار.
وإن عرجت على وصف نهارات العين في الشتاء لقلت إنها ساحرة، أما لياليها فحكاية أخرى. وحتى اليوم لا يزال الناس فيها يمارسون طقساً لا أجد أروع منه، حين ينكفئون في الليل داخل بيوت الشعر التي تعيد لأذهانهم ذكرياتهم الأولى، بحضور النار المشتعلة التي تبعث الدفء في القلوب قبل الأجساد.
الناس في بلدي يحتفون بالأمطار على طريقتهم، حيث يخرجون إلى الطبيعة للاستمتاع بالأجواء المبهجة، ولمراقبة الأودية وماء المطر يجري فيها، أو الخير كما نحب أن نسميه. لم يكن غريباً على مجتمعنا أن يلتصق وصف الخير دوماً بالأمطار التي نتبادل بشرى هطولها بكثير من الحبور.
ولعلّي لا أبالغ إنْ قلت إن المتنفس الطبيعي الشتوي الذي تتميز به كل مناطق الإمارات يضيف لنا كدولة رافداً جديداً من الروافد التي تعزز اقتصادنا. في الشتاء ملايين السياح يهربون من شتاءاتهم قارسة البرودة ليقصدوا بلدنا كي يعيشوا فيها أجواء «ربيعية» بامتياز، وتلك الأجواء المناسبة تمثل فرصة فريدة لهم لخوض تجربة سياحية مختلفة لهم. وما يزيد من متعتهم، الفعاليات التي تقام في مختلف مدننا. ومع ذلك تُروّج الإمارات باستمرار للمهرجانات التي تُنظّم في الشتاء من خلال حملات مكثفة ومن بينها «أجمل شتاء في العالم» الحملة التي تسعى إلى إبراز الموروث الإماراتي في أحلى حلّة وبنسق مرتبط بالاستدامة. وإلى جانب تلك الحملات، لا تتوقف الأجهزة المختصة من شرطة وفرق إنقاذ ودفاع مدني عن بث رسائل تنبيه الناس من محاولة المغامرة بأرواحهم عندما يزورون مناطق السيول التي تجرف ما في طريقها.
وبالطبع الحذر الواجب، وخصوصاً من قبل الشباب غير الواعي للمخاطر التي يمكن أن تجلبها الأمطار وبالتالي غزارة تدفق المياه في الأودية. وكي لا يتحول الفرح إلى غمّ، على الجميع بلا استثناء أخذ التنبيهات على محمل الجد، فلا يقتربوا من الأماكن والمناطق الخطرة حيث تجري المياه أو تتجمع، ويحافظوا على أرواحهم وعلى استقرار أسرهم، كما يساعدوا الجهات المختصة في أداء عملها بسلاسة ويسر، وكل ذلك يصب في مصلحة البلد التي تبذل جهوداً عظيمة للحفاظ على مجتمع سالم وآمن.