يبدو أن عامل «الجيوسياسي» بين الدول الكبرى في الفترة المقبلة، سيكون من العوامل الحاسمة في بناء نظام عالمي متعدد الأقطاب. وفي هذا الصدد، تنشر مجلة «ذا إيكونوميست»، تقريراً بعنوان «العصر الجيوسياسي الجديد» جاء فيه: موسكو وبكين تجريان تدريبات عسكرية مشتركة بانتظام، ويعتقد كبار القادة الأميركيين، أن البلدين سيتوحدان في كتلة واحدة، بأهداف موحدة.

والتهديد الأكبر للنظام العالمي وهو ما يسميه البنتاغون تحدي «السرعة»، يأتي- حسب الرؤية الأميركية- من الصين، الدولة الوحيدة التي لديها القدرة على الإطاحة بالولايات المتحدة كقوة بارزة في العالم. انخفاض وزن الولايات المتحدة، ومقدار تأثيرها في الاقتصاد العالمي، سمح بظهور مثل هذه التحولات في الساحة العالمية.

منذ القطبية الأحادية، كان العالم يتحدث عن نظام عالمي جديد ومتعدد الأقطاب، ثم تفرع من ذلك ما قيل عن شرق أوسط جديد، في ظل ما يثار عن مصطلح عالم عربي أو عالم إسلامي فضلاً عن دمج العالمين. أميركا منذ عهد كلينتون وحتى نهاية فترة ترامب كانت تتجه نحو آسيا، ضمن توجه يمتد إلى قرابة نصف قرن، بمعنى آخر هذا الوقت يعادل قرابة ربع عمر أميركا منذ التأسيس في 4 يوليو 1776.

اليوم بدأت البوصلة تتجه نحو القارة الأفريقية بدون سابق إنذار، فجأة يدعو بايدن قادة 49 دولة أفريقية لاجتماع قمة هناك، ليس طبعاً من أجل العيون السود، بل من أجل إزاحة كل من الصين وروسيا في عملية فيزيائية طويلة المدى.

وهذا لا يعني بأن أميركا سوف تترك فراغاً تملؤه روسيا والصين هناك، فالأمر خاضع لميزان المصالح وخلق التوازنات ورسم الأولويات التي تقدم هذا وتؤخر ذاك، فالمرونة الدقيقة والحكمة السياسية سيد المواقف المتغيرة. بعد أميركا تتصدر بريطانيا المشهد الجيوسياسي من الداخل أولاً، ثم من الدول التي لا زالت تستظل بالتاج الملكي.

تقلصت مساحة التاج البريطاني منذ الملكة اليزابيث من 56 دولة إلى 15 دولة لا زالت صامدة في عهد تشارلز، ولكن بعد «بريكسيت» بدأت دعوات الانفصال تصعد في الداخل البريطاني أكثر من خارج المملكة المتحدة، وعلى رأسها إيرلندا واسكوتلندا وويلز.

كما أن دول الاتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا بات وضعها ليس على ما يرام منذ الحرب الروسية الأوكرانية، التي أربكت الحدود الجغرافية بين دول الاتحاد، وهي جوهر «الجيوسياسي» والأزمة أخذت منها الكثير ولم تأخذ مقابلها شيء يذكر حتى الآن.

نأتي إلى روسيا والصين، الذي من أجل عيونهما يتغير «الجيوسياسي» في الفترة المقبلة، لا نعرف لصالح من ولن نصدر حكماً قاطعاً، بل ننتظر التبصرة. فالصين تعزز علاقاتها مع منطقة الخليج العربي، لأن الواقع الجيوسياسي يتغير، خاصة في ظل تطورات المشهد السياسي الأميركي، وروسيا تتجه نحو تسليح إيران بصفقة تتضمن 24 طائرة سوخوي، لكي يشكل الثلاثة معاً جبهة- ولا أقول حلفاً- ضد أميركا، بل للاستفادة من جديد «الجيوسياسي» كل وفق مصلحته الوطنية.

* كاتب إماراتي