لأن صوت العلم منخفض أمام أصوات الدجل المرتفعة، ولأن الإنسان بطبعه يبحث عن التفسير الأسهل الذي يتقاطع مع نقاط ضعفه، فإن التفسيرات للكوارث تصبح لا منطقية ويتسلل منها المتطرفون باسم السماء.

في زلزال سوريا وتركيا وهزاته الارتدادية والخسائر البشرية الفادحة جداً والصور المتلاحقة التي نقلت لنا الوجع بألوانه الطبيعية بكل قسوة، كانت وسائل التواصل الاجتماعي في العالم العربي تضج بالدجالين والمشعوذين، وهم يروجون لفكرة قد لا يكون هذا وقتاً مناسباً للترويج لها، ومفادها أن الزلزال عقاب من الله تعالى للناس، وقد ابتعدوا عن الدين وتعاليمه!

طبعاً، هذا الترويج للفكرة وجد مواجهةً شرسة وعفوية من طرف مقابل متعدد الرؤى، ومع ذلك فإن الفكرة نفسها وجدت جمهوراً لها وفير العدد من أناس يؤمنون بأن الله، تعالى وتنزه اسمه عما يفترون، يعاقب البشر بالزلازل والبراكين والكوارث، وهذا طبعاً سيكون مدخلاً لفكرة تالية بالضرورة كمدخل سهل لنشر التطرف والرؤية الأحادية من طرف واحد للدين القويم، وطبعاً تحت وطأة توظيف القهر والخوف والغضب والاحتقان وكل المشاعر السلبية! التطرف أصلاً قائم على الإرهاب، والإرهاب صيغه متعددة تتجاوز الهجوم المسلح والتفجير الدموي، وأخبث أنواعه ذلك الذي يوظف الرعب في قلوب الناس برعب نفسي أكبر، فيغسل الأدمغة ويغيب العقل والمنطق، ويحارب المعرفة والعلم.

توظيف الرعب جزء من «إدارة التوحش» التي اعتمدها التطرف في نسخه الحديثة الأخيرة كمنهجية للسيطرة على عقول الناس، ولا يمكن مقاومة هذا الإرهاب إلا بنشر الوعي وإشاعة المعرفة وسيادة المنطق، ذلك المنطق الذي يغيب أمام فداحة الخسائر والموت المتوحش.

مثل غيري، قرأتُ بأسف بعض التعليقات «المتسللة» حول زلزال الاثنين الماضي تتحدث عن الضحايا والمكلومين بلغة اتهامية ترميهم بالفسق والفجور كسبب رئيس لغضب الله، تعالى عما يصفون، بعيداً عن منطق العلوم الجيولوجية فيما يتعلق بالزلازل وأسباب حدوثها، حيث تقدم هذه العلوم تفسيرات واضحة لما يحدث في باطن الكوكب الأرضي من تزحزح للصفائح التكتونية جراء احتكاكات تولِّد حرارةً هي ما يتسبب في حدوث الزلازل.

 

الكوارث الطبيعية ليست عقاباً إلهياً، والضحايا ليسوا حالات إدانة تدفع ثمن ذنوبها في الدنيا بهذه الطريقة، وإلا فكيف يمكن تفسير الزلازل التي وقعت في مراحل مختلفة من تاريخ العالم الإسلامي، منذ فجر الإسلام وإلى اليوم؟ وهل يستقيم مع منطق هؤلاء أن يكون طاعون عمواس الشهير الذي ضرب بلاد الشام عقوبة إلهية وقد كان من ضحاياه صحابة أجلاء وتابعون موقرون وقراء عظام؟

وكيف يفسر خطابُ التطرف حدوث مثل ذلك في العهود النيرة للإسلام؟ ما أحدثه زلزال الاثنين الماضي كان فادحاً ومؤلماً، لاسيما في المناطق السورية المنكوبة بالحرب البشعة منذ سنوات طويلة، والتي عانى أهلها أقسى ما يمكن أن يمر على الناس من ويلات الحروب وفظاعاتها. ويبقى التكاتف الإنساني، وتوظيف المعرفة البشرية في هذا التكامل، أساس الحل الوحيد لوقف النزيف المستمر.

*كاتب أردني مقيم في بلجيكا