صرخات أطفال ونساء من تحت الأنقاض تحولت مع الوقت إلى أنين خافت، ومحاولات يائسة من الجموع لتحريك ركام المباني علّهم ينقذون العالقين تحتها، لكن الوقت عدوهم، حيث خفت الأنين مع تسارع الزمن وصمتت الاستغاثات اليائسة.. هكذا كان المشهد القادم بعد زلزال عنيف ضرب جنوب تركيا وشمال سوريا، ليخلف حتى الآن أكثر من 21 ألف قتيل وعشرات آلاف الجرحى. ومَن تضرروا بالزلزال، حسب الأمم المتحدة، تجاوز عددهم 23 مليون شخص، فيما حل دمار هائل في المدن والضواحي والقرى، وقُدرت الخسائر بمليارات الدولارات.

سوريا الجريحة، والتي تحاول الخروج من أزمة طال أمدها، تعرضت لنكبة قوية بسبب هذا الزلزال الذي جاء ليكمل ما دمرته الحرب، وسط قدرات متواضعة على التعامل مع مثل هذه الحالات، مع شح الكهرباء والوقود وبرودة الطقس وعدم توافر آليات للحفر ولرفع الأنقاض ولانتشال العالقين تحت الركام، بالإضافة إلى تهالك المشافي والبنى التحتية، مما زاد حجم الكارثة وعمّق الجرح السوري.

وفي هذه الأوقات تحتاج سوريا بشدة إلى تخفيف العقوبات المفروضة عليها، بل إلى رفعها بالكامل، فالمتضرر الوحيد من هذه العقوبات هو الشعب السوري. فبعد هذا الزلزال ازداد جرح السوريين ألماً، وهنا نتحدث عن كل السوريين الذي سيشهدون أوضاعاً أشد بؤساً مما سبق، بعد أن تهدمت بيوتهم وفقدوا كل شيء، فما أحوجهم الآن لوقفة عالمية تسندهم وتساعدهم على تجاوز معاناتهم.

وبالتأكيد فسيكون وقف العقوبات أحد أهم الطرق الممكنة لمساعدة هذا الشعب، وهو ما طالب به رئيس الهلال الأحمر السوري وعدد كبير من السوريين.ومما يثلج الصدر قيام بعض الدول بواجبها الإنساني ومسارعتها لتقديم الدعم لضحايا الزلزال، وكعادتها كانت الإمارات سباقة في هذا المجال، حيث سارعت نحو مد يد العون إلى سوريا وتركيا، فكان «الفارس الشهم 2» وهو عملية مساعدات إنسانية قدمت حتى الآن 640 طناً من المساعدات عبر جسر جوي من 22 طائرة، توجهت إلى المناطق المتضررة بالزلزال، منها 7 طائرات إلى سوريا تضمنت مواد غذائية إلى جانب 515 خيمة لإيواء المتضررين.

وهذا ليس بجديد على إمارات الخير التي تَهبُّ لمساعدة الأشقاء دائماً، كما أن قيادتنا تحث الجمعيات والمؤسسات الإنسانية على تقديم يد العون، فكانت حملة «جسور الخير» التي أطلقتها هيئة الهلال الأحمر الإماراتي بالتنسيق مع كافة المؤسسات الخيرية في الإمارات، حيث انضم أكثر من 16 مؤسسة إلى الهلال الأحمر للعمل على ضخ المساعدات لصالح المتضررين من الزلزال، تأكيداً على نهج قيادة الدولة في تعزيز العمل الإنساني والتقارب بين الشعوب، وتجسيداً لحرصها على مساعدة المتضررين من الكوارث أينما كانوا، لاسيما في بلدان شقيقة.

وعودةً إلى سوريا كونها الأكثر احتياجاً للمساعدة ليس فقط الآن، لكن فيما بعد الزلزال، فما سيشهده البلد فيما بعد الكارثة سيكون أشد من الكارثة نفسها، فآلاف المتضررين فقدوا بيوتهم وموارد أرزاقهم، وكل تلك المدن والضواحي التي كانت بالكاد تحاول العودة لسابق عهدها تهدمت وبعض مناطقها سويت بالأرض، وانهار ما كان متوفراً من بنى تحتية. إن سكان المناطق المتضررة، وكانوا يعانون أصلاً، يحتاجون الآن أساسيات الحياة من ماء وطعام ومأوى.

فحتى النازحون الذين اعتقدوا قبل الزلزال أن الحياة ابتسمت لهم ووعدوا ببيوت لائقة بدل الخيام المتهالكة، فقدوا ذلك الأمل، أما مَن كانوا يصارعون من أجل لقمة العيش فأصبحوا الآن من دون مأوى ويبحثون عن سقف يحميهم. لذلك فإن سوريا حالياً بحاجة لمساعدة غير محدودة ولمساندة دولية غير مشروطة، كي تنهض من جديد.

*كاتب إماراتي