واجهنا وواجه العالَم في السنوات الأخيرة ثلاث كوارث: وباء «كوفيد - 19»، والسيول الهائلة، والزلازل. وفقدت البشرية ملايين الضحايا بسبب الوباء. وما كانت السيول في مختلف أنحاء العالم، وبخاصة في السودان وباكستان، سهلةً على الإطلاق. إنما رغم ذلك فإنّ الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا كان الأشدّ هولاً، وبخاصةٍ أنه جاء في فصل الشتاء القارس. في زمن «كورونا» ما انقطع الأمل في إيجاد علاج أو دواء، وكان من الممكن للمقتدرين أن يدخلوا المستشفيات وأن يستعيدوا عافيتهم بنسبة 50% كما قيل.

وكان الوباء أكثر «عدالة» كما يقال، فلم يفرّق بين غني وفقير، ولا بين دولٍ مختارة وأخرى ليست من أهل الاختيار. إنما يبقى أنه كان هناك نوع من المفاجأة في أسباب حدوث الداء والوباء، وكيفيات انتشاره. ما انتهى الوباء، بل تعددت أنواعه وأعراضه، ويبدو الآن أنه كان موجة عاصفة أو تسونامي جرى تجاوز قسمه الأعظم. والسيول مصيبةٌ كبرى، فهي تجتاح مساحات شاسعة، وحتى في مناطق كانت تعاني الجفاف والقحط.

إنما الهرب منها ممكن، مما يخفف الخسائر في الأرواح، لكن سيكون هناك خراب كثير وتخريب كثير. ولذا فإنّ السيل ينتهي ولا تنتهي آثاره في تخريب منازل الفقراء الهشة وتهجيرهم. وتأتي فظاعة الزلازل في حدوثها فجأة. والمفروض أنه يمكن قياسها والتنبؤ بها، إنما لا ندري لماذا كانت المفاجأة كاملة في حالتي تركيا وسوريا. فبالإضافة إلى الخراب والتهجير، هناك بالدرجة الأولى الموت تحت الأنقاض بلا حساب.

ولأنّ الزلزال التركي السوري حدث في الرابعة والنصف صباحاً، فقد كان نصيب ونصاب القتل بين الأطفال والنساء كبيرات السن هو الأعلى والأفظع! وسيزيد عدد القتلى في تركيا بالتأكيد على العشرين ألفاً، وفي سوريا على العشرة الآلاف. وفي سوريا، وبالذات في مناطق الشمال والشمال الغربي، قد لا نعرف عدد المفقودين حقاً.

الجميع يشكو والأهوال تستدعي ذلك، لكنّ الرئيس التركي قال إنّ المساعدات جاءت لبلاده من سبعين جهة، ومنها بالطبع جهات عربية متعددة. أما في سوريا، فكان الإقبال على المساعدة أقلّ باستثناء الدول العربية التي لم تفرّق بين الشمال والجنوب، مثل المؤسسات الدولية. وكما هو معروف في كل الزلازل، فالهول هَولان: هَول الفقدان المباشر، ثم هول الخراب والتهجير. وكما في الحرب المستمرة في سوريا منذ عام 2011، فهناك خراب قائم، وملايين الناس المهجّرين.

والمؤسف أنّ تركيا استقبلت ملايين اللاجئين الفارين من سوريا، وبعضهم يلقون الهلاك الآن في مواطن تهجيرهم. أما في سوريا، فسمعت ناجياً يقول إنّ أُسرته هلكت وهم مهجَّرون مرتين! أردوغان الذي أمامه معركة انتخابية على منصبه قال إنه سيصلح ويبني كل شيء خلال عام. لماذا تحدث هذه الكوارث؟ في حالتي «كورونا» والسيول، يقال إنّ ثمة أسباباً إنسانية وبيئية.

وبخصوص «كورونا» اتهموا الصين، رغم أنها كانت أكبر المتضررين. لكن في حالة السيول يتهمون الوضع أو الاختلال البيئي والتغير المناخي، وللإنسان يدٌ بارزةٌ فيه. وقد جرت مؤتمرات كثيرة وعهود وعقود.. وليس من المعروف هل تكون لذلك جدوى؟ ويقال: لأنّ الضرر من الأوبئة والسيول عالمي، فإنّ العالَم المقتدر يهتم أكثر فأكثر. لكن ما الذي سيصل إليه الأمر؟ هذا ما لا نعرفه! وتبقى الزلازل التي يعرف العلماء عنها الكثير، لكنهم يصفونها فقط ولا يستطيعون منع حدوثها.

ويقولون: هذه الناحية تقع على «فالقٍ زلزالي»! وهو تعبيرٌ مخيف، لكن التنبؤ بدقة أمر مشكوك فيه. البؤس الإنساني لا ينتهي. وغير المؤمن يتحدث عن غدر الطبيعة، أما المؤمنون فليوذون برحمة الله ولطفه. أعان الله الأتراك والسوريين على هذا البلاء الكارثي.

*أستاذ الدراسات الإسلامية -جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية