في وقت قد تكون فيه الولايات المتحدة في تنافس مع الصين على التفوق التكنولوجي، تسعى الولايات المتحدة إلى تعميق تعاونها مع الهند في المجال التكنولوجي وربما مساعدتها بالتكنولوجيا المتقدمة. وأحد مجالات التعاون الممكنة هو صناعة أشباه الموصلات. فالهند بدأت تخطو خطوات صغيرة أولى في دفع صناعة أشباه الموصلات وسط سباق عالمي لتنويع سلاسل التوريد، وذلك بعد أن أظهر وباء كورونا للعالم مخاطر الاعتماد على مصدر واحد للإمداد بسبب الاضطرابات التي شوهدت بعد أن أدى الوباء إلى إيقاف حركة السفر والتجارة. وطال نقصُ الرقائق الإلكترونية كلَّ شيء، من معدات الدفاع إلى صناعة السيارات. 
ولهذا، تسعى عدة بلدان وتكتلات إلى تنويع التوريد أو محاولة تعزيز سلاسل توريد محلية عبر تشجيع صناعة أشباه الموصلات من خلال حوافز. والهند، التي تُعد واحداً من أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، تسعى بدورها إلى تشجيع صناعة أشباه الموصلات. وتركز العديد من الشركات المحلية والدولية حالياً على صناعة أشباه الموصلات في الهند، وسط جهود عالمية تهدف إلى تنويع سلسلة التوريد تفادياً لاضطرابات على غرار تلك التي حدثت خلال جائحة كوفيد-19. وفي هذا السياق تندرج المبادرة المهمة التي أطلقتها الهند والولايات المتحدة تحت اسم «المبادرة الهندية الأميركية بشأن التكنولوجيا الحساسة والناشئة». وتُعد هذه المبادرة، التي انعقد اجتماعها الافتتاحي خلال الأسبوع الأول من هذا الشهر، عنصراً مهماً من التعاون التكنولوجي بين البلدين. وإذا كان من غير الواضح ما إن كانت المبادرة ستتكلل بالنجاح، فلا شك في أنها تبعث برسالة إلى الشركات الأميركية مفادُها أنه من الأمان الاستثمار في الهند، التي تُعد شريكاً استراتيجياً لأميركا. ويذكر هنا أنه يوجد بين الهند والولايات المتحدة تطابق في وجهات النظر حول العديد من القضايا الاستراتيجية، الأمر الذي يقوي العلاقة الثنائية ويشجع على قدر أكبر من التعاون بين الجانبين. 
وعقب الاجتماع حول المبادرة، أعلنت شركة «جنرال أتوميكس» الأميركية عن مشروع لأشباه الموصلات. وتُعد هذه المبادرة جزءاً من الشراكة الاستراتيجية المتنامية بين الولايات المتحدة والهند على خلفية بواعث قلق مشتركة بشأن نمو الصين وهيمنتها التكنولوجيا المحتملة. ويستفيد قطاع أشباه الموصلات أيضاً من مخطط تحفيز حكومي تبلغ قيمته 10 مليارات دولار، ويشمل توفيرَ الحكومة نسبةَ 50 في المئة من تكاليف المشاريع، قصد جذب الشركات وتشجيعها على الاستثمار في هذا المجال. وعلى الرغم من أن الشركة الأميركية عقدت شراكة مع شركة «ثُرد آ تيك» الهندية الناشئة، من أجل التطوير المشترك لتكنولوجيا أشباه الموصلات، فإن الحكومة الهندية لم تعلن بعد عن المستفيدين من المخطط التحفيزي. ولكن حالما يتم الإعلان، يُتوقع أن تبدأ الأمور في التحرك على الميدان بسرعة ضمن مخطط أشباه الموصلات. 
وإذا كانت صناعة أشباه الموصلات في الهند ما زالت في مرحلة البدايات، فإن الأشهر الستة الماضية شهدت عدداً من الإعلانات. وفي هذا الإطار، دخلت شركة «فوكسكون» مشروعاً مشتركاً بقيمة 19,5 مليار دولار مع شركة «فيدانتا جروب» الهندية لصناعة أشباه الموصلات في ولاية غوجرات الواقعة غرب البلاد. هاتان الشركتان تقدمتا بطلب الاستفادة من برنامج التحفيز الحكومي من أجل إنشاء مصنع لإنتاج أشباه الموصلات في ولاية غوجرات. ووفقاً لرئيس «فيدانتا»، فإن الخطة تقضي بصناعة 40 ألف رقاقة شهرياً خلال نحو عامين ونصف العام. وعلاوة على ذلك، تتطلع مجموعة «إنترناشيونال سوميكونداكتر كونسورتيوم»، ومقرها في إسرائيل، إلى استثمار ثلاثة مليارات دولار لإنشاء مصنع لصناعة أشباه الموصلات في ولاية كارناتاكا الجنوبية. ومن جانبها، أعلنت مجموعة «تاتا جروب» عن خطط لاستثمار 90 مليار دولار في صناعة أشباه الموصلات على مدى السنوات الخمس المقبلة، تشمل إنشاء مصنع متطور لصناعة الرقائق الإلكترونية. 
وأدت الاضطرابات التي تسبب فيها وباء كوفيد-19 عبر العالم إلى سباق على إقامة إنشاء قدرات لصناعة أشباه الموصلات وتنويع سلاسل التوريد. وتهيمن على صناعة أشباه الموصلات حالياً شركةُ «تي إس إم سي» التايوانية، التي تمثّل نحو 50 في المئة من إنتاج أشباه الموصلات في العالم. وتبلغ قيمة هذه الصناعة 500 مليار دولار، ومن المتوقع أن تتضاعف بحلول 2030. وقد أعلنت عدة بلدان وتكتلات، بما في ذلك الاتحاد الأوروبي، عن خطط لتوفير مليارات الدولارات من الدعم المالي لإقامة مصانع لإنتاج الرقائق الإلكترونية المتطورة. ووسط كل هذا، ما زالت الهندُ، التي تستورد رقائقَها، في «مرحلة مبكرة»، وفقاً لتقرير حكومي. غير أنه وفقاً للتقرير ذاته فإن لاعبين عالميين ومحليين أبدوا اهتماماً بنّاءً على آفاق صناعة أشباه الموصلات في الهند إذا وُفرت لها الحوافز المالية. 
ومع ذلك، فإن إنشاء بيئة صناعية متكاملة لإنتاج الرقائق الإلكترونية في الهند لا يُتوقع أن يكون سهلاً ولا سريعاً. إذ يُتوقع أن يستغرق ما يصل إلى ثلاث سنوات من التاريخ الذي تبدأ فيه الأمور في التحرك على الميدان. والواقع أن الهند لا تمتلك القدرات التصنيعية في مجال أشباه الموصلات بعد، لكنها تمتلك قدرات في البحث والتصميم، فضلاً عن ميزة القوة العاملة الرخيصة وقاعدة صناعية. ثم إن نحو 20 في المئة من الأشخاص الذين يعملون في صناعة أشباه الموصلات العالمية ينحدرون من الهند، مما يعني أن الهند تمتلك القوة البشرية الماهرة لتغذية هذه الصناعة. ومما لا شك فيه أنه مع التركيز والسياسات الصائبة، تستطيع الهند أن تنهض بهذه الصناعة، بل وأن تصبح مورِّداً عالمياً لها. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي