مع انتهاء قمة الحكومات في دبي، والتي تناول فيها عدد من المتحدثين مستقبل الذكاء الاصطناعي واستخداماته الواسعة، كان من اللافت ما قاله الملياردير الأميركي إيلون ماسك، في كلمته التي أدلى بها عن بُعد خلال القمة، حيث اقترح تخفيض عدد سنوات التعليم من 12 إلى 10 سنوات، وأشار إلى أن المدارس لا تزال تدرّس فصولاً غير مفيدة للأطفال، وضرب مثالاً بمناهج الرياضيات المتقدمة التي رأى أنها لا تفيد الأطفال في معظم حياتهم.

ورغم أن إيلون ماسك اشتهر بتصريحاته الصادمة وأحياناً الغريبة، فإن ما طرحه حول مستقبل التعليم يستحق النقاش، لأن العالم وصل في عصر الذكاء الاصطناعي إلى مرحلة يظهر فيها تناقض صارخ بين مستوى التطور التكنولوجي، واستمرار أنظمة التعليم التقليدية التي تعتمد على التلقين.

وإذا كان أسلوب التدريس في الثمانينيات من القرن الماضي، يناسب تلك الفترة، فإن أطفال اليوم لم يعودوا بحاجة إلى التلقين بعد أن تغير عالمهم، ونمط ألعابهم إلى العالَم الافتراضي الذي يبقيهم على اتصال دائم بكل جديد من خلال الإنترنت. وعندما نتحدث عما يطلبه سوق العمل الآن وفي المستقبل، فلا بد من إعادة النظر في مسارات التعليم، واعتماد نظام جديد يختصر الوقت، ويؤهل الأجيالَ القادمة لأن تكون نافعة وذات خبرات ومهارات مفيدة وقابلة للتطبيق والاستيعاب في الحياة العملية، وفي نمط اقتصادات المستقبل التي لا تستغني عن الابتكار والإبداع.

لدينا مؤشرات من الواقع تؤكد أن إعادة النظر في مخرجات وأنظمة التعليم قضية لها الأولوية، ومن أبرز تلك المؤشرات أن أصحاب الأعمال يفضلون في الوقت الحالي توظيف أصحاب الخبرة، ولا يميلون إلى توظيف أصحاب الشهادات الذين لا خبرةَ لديهم في المجال الذي قاموا بدراسته نظرياً.

وهذا لا يقلل من أهمية المشتغلين بالأبحاث والدراسات النظرية، لكن المستقبل بحاجة إلى أن تكون الأولوية لمخرجات التعليم المهني الذي ينتج كوادرَ قادرةً على التفاعل مع تحديات مختلفة ومهام جديدة في عصر يقوده الذكاء الاصطناعي الذي يعيد ترتيب الوظائف والمهن، ويقوم بالكثير مما كان يقوم به البشر، ومع الوقت بدأت الوظائف تتقلص، وأصبح الإنسان مطالباً باكتساب خبرات لما سيتبقى من مهن تعتمد على الإبداع والابتكار والمنافسة.

وبعد أن فرض الذكاءُ الاصطناعي نفسَه، لا نستطيع استبعاده، لكننا نستطيع تطوير التعليم واختصار الزمن الذي يقضيه الطالب في المدرسة والجامعة، والتركيز على أن يكتسب من الدراسة خبرةً تجعله يستطيع منافسةَ غيره في سوق العمل، حيث لا يعقل أن يشمل التطور مختلف المجالات من حولنا بينما لم يتطور التعليم ومناهجه منذ عقود.

وبداية التغيير في هذا الملف تتعلق بإعادة النظر في مناهج التعليم ومدى صلاحيتها، وما تضيفه من معارف وعلوم يستخدمها الطالب، ويمكن أن تساعده على الاندماج في العصر الراهن، وأن تؤهله للتغلب على التحديات التي تنتظره في المستقبل على المستوى المهني. ومن المهم أن يبقى النقاش بشأن هذا الملف مفتوحاً، وأن يؤدي إلى خطوات عملية لتقييم واقع التعليم، وإعادة النظر في مخرجاته، لتجاوز الفجوة الكبيرة بين التقدم التكنولوجي ونظام التعليم القائم على التلقين. فمع تغير أنماط الحياة والعمل، يحتاج العالَم إلى مدارس وجامعات لا تراهن على التلقين، بل تعتمد على غرس مواهب الإبداع والابتكار.

ويمكن تخفيض عدد سنوات التعليم، مقابل تطوير المناهج ورفع جودتها، لتواكب التحديات والمتطلبات المتغيرة لسوق العمل، ولا بد من تسريع هذا التوجه للوصول إلى مرحلة تصبح الأولوية فيها للمخرجات المهنية في التعليم، لتنتج كوادر مؤهلة للتعامل مع عصر الذكاء الاصطناعي، ومع كل ما يتطلبه المستقبل للارتقاء بالمجتمعات والاقتصادات.

*كاتب إماراتي