ما زالت العوائق كثيرة في طريق الجهود المبذولة لحل الأزمة الليبية. ولم يفلح أي من الاتفاقات التي عُقدت منذ اجتماع الصخيرات في ديسمبر 2015، في وضعها على طريق الحل. ولم يتيسر العثور على نقطة البداية لمسارٍ سلميٍ يتواصل حتى الخروج منها. ومع ذلك، ربما تتيح تسوية ما صار يُعرف بخلافات القاعدة الدستورية شيئاً من التفاؤل. وهذا يفسر التركيز على محاولة حل هذه الخلافات في التحركات التي نشطت منذ مطلع العام الجاري بعد أشهرٍ من الجمود والخمول.

وتهدف هذه التحركات إلى تحقيق توافق على النقاط الخلافية الباقية بشأن بعض شروط الترشيح في الانتخابات، وأهمها أحقية العسكريين ومزدوجي الجنسية في ترشيح أنفسهم. ويبدو استمرار هذا الخلاف مثيراً للاستغراب، حين ننظر إليه على أساسٍ قانوني محض بمنأى عن الصراعات والمناكفات السياسية، لأن حله سهل استناداً على التجارب والخبرات الدولية.

فلا حاجة إلى إعادة اختراع ما اختُرع وجُرب، ولم يعد هناك جدال حوله في العالم. فقد ترشح عسكريون متقاعدون ومستقلون، وفازوا في انتخابات عامة، وتولوا رئاسة عدد كبير من الدول منذ قرنين وربع القرن. وكان أول رئيس في تاريخ الولايات المتحدة (جورج واشنطن) عسكرياً تولى قيادة الجيش خلال حرب استقلالها عن بريطانيا.

كما أن الكثير من الرؤساء الأميركيين كانوا عسكريين، مثل فرانكلين روزفلت الذي عمل مساعداً لقائد البحرية وقام بتطوير الأسطول الأميركي في مطلع القرن العشرين، وهاري ترومان الذي وصل إلى رتبة نقيب في سلاح المدفعية، ودوايت أيزنهاور الذي تولى القيادة العامة لقوات الحلفاء في الحرب العالمية الثانية، وغيرهم.

ولا ننسى أن ونستون تشرشل أبرز زعماء بريطانيا في القرن الماضي عمل ضابطاً في سلاح الفرسان، وأن شارل ديغول أشهر رؤساء فرنسا تخرَّج في مدرسة سان سير العسكرية، وقاد مقاومةَ بلاده ضد ألمانيا خلال الحرب الثانية. أما على مستوى العالم فيستعصي حصر عدد الرؤساء ورؤساء الحكومات ذوي الخلفية العسكرية منذ أن عُرفت الانتخابات وحتى اليوم. ولهذا صار ترشح العسكريين المتقاعدين والمستقلين محسوماً لا جدال حوله.

وعندما نتأمل المشهد الليبي الراهن نلاحظ أن أهم الإنجازات في السنوات الأخيرة حققها الجيش الوطني، وكذلك اللجنة العسكرية المشتركة التي أشاد المبعوث الأممي عبدالله باتيلي بأعضائها في مؤتمر صحفي يوم 16 يناير دعا خلاله السياسيين «للعمل مثل هؤلاء الرجال الذين يرتدون الزي العسكري». أما مزدوجو الجنسية، فلا توجد قاعدة عامة بشأن ترشحهم من عدمه، إذ يتوقف الأمر على ظروف كل بلد حسب ما يُتفق عليه عند إعداد الدستور.

ولأن هذه الظروف تتغير، فكثيراً ما أُجيز ترشحهم ثم مُنع، أو العكس. فإذا كان هناك قلق من ازدواج في الولاء، يُمنع ترشحهم. وإذا كانت هناك ثقة في أن الانتماء الوطني الأصلي أقوى مما عداه، يُسمح لهم بالترشح. ومادام الانتقال من أحد الخيارين إلى الثاني ممكناً وسهلاً، فلا مبرر لأن يكون الخلاف بشأن ترشح مزدوجي الجنسية عائقاً ثانياً أمام الخروج من أزمةٍ ينوء الشعب الليبي بتبعاتها.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية