دبلوماسية الدعم في مواجهة الكوارث هي دبلوماسية استثنائية تظهر في أوقات الأزمات الإنسانية، بها تتجاوز بعض الدول خلافاتها السياسية، ويهرع الجميع لإظهار التعاطف. هذه الحيثية نراها حققت بعضَ الآمال مع كل من السويد واليونان اللتين عرضتا المساعدةَ على تركيا، وكذلك مع أرمينيا التي فتحت حدودها مع تركيا.

والمفعول نفسه تقريباً كان للاتصالات التي أجراها كل من الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والملك الأردني عبد الله الثاني بالرئيس السوري بشار الأسد والرئيس التركي، ومثله وصول طائرة مساعدات سعودية لسوريا.. إلخ.

وأعلن الرئيس التركي أردوغان أنَّ سبعين جهة أو أكثر اندفعت لمساعدة تركيا في مصابها. وحتى الصراع الدولي لعب لصالح أنقرة، لأنّ جهاتٍ شتى تعلق آمالاً على تركيا بقدراتها وأدوارها. وقد تنافست على تقديم المساعدة كلٌّ من أميركا وروسيا، بينما لعب الصراع الدولي لغير صالح سوريا، وذلك بسبب النفوذ الإقليمي لبعض الأطراف فيها، بينما اعتذر البعض بصعوبات الوصول، والبعض الآخر بالقطيعة بين منطقتي الحكومة والمعارضة، فيما تعامل البعض مع سوريا عن طريق منظمات الأمم المتحدة.

وفي سياق متصل، تخشى إسرائيل من استغلال إيران، لمأساة الزلزال لنقل أسلحة إلى سوريا، تحت ذريعة المساعدات الإنسانية! وقد هددت إسرائيل بشن هجمات تستهدف تلك الأسلحة! عشرات الآلاف من الضحايا، مدن وقرى دمرها زلزال تركيا وسوريا.. كل ذلك في منطقة على حافة تقاطعات جيوسياسية بالغة التوتر، تستدعي من صناع القرار القفز على الحسابات الضيقة لضمان إيصال المساعدات. إقليمياً، هناك قوس من جبهات النزاعات بين مد وجزر، تمتد من البحر الأبيض المتوسط إلى العراق وإيران، يتدخل فيها فاعلون إقليميون ودوليون بأجندات يطبعها التناقض. لذا فإن هذه الكارثة تشكل تحدياً لعمل هيئات ومنظمات الإغاثة، ولكن أيضاً للعلاقات الدولية بشكل عام.

وفي تركيا، تم قبول المساعدة بامتنان من إسرائيل، وقد قام الجيش الإسرائيلي نفسه تقديمها تحت اسم «عملية غصن الزيتون». كما عرضت تل أبيب مساعدةً على سوريا، لكن «دون رد إيجابي». الخطوة التي اتخذتها الحكومة السورية، مؤخراً بالاتفاق مع الأمم المتحدة على فتح معبرين إضافيين هما باب السلام وباب الراعي لمدة ثلاثة أشهر، من دون تدخل مجلس الأمن الدولي، كانت موضع ارتياح.

وكانت المبادرة الإماراتية «الفارس الشهم 2» مميزة وسخية، إذ حُظيت بمتابعة مباشرة من صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، وكانت عملية منسّقة ومنظمة، تعمل وفقاً للأولويات التي تحدّدها السلطات المحلية، في كلٍّ من سوريا وتركيا. والإمارات رائدة دائماً في تدخلها الإنساني السريع، إذ لا نرى حادثاً أو كارثةً إنسانيةً تحل في بقعة من المعمورة، إلّا وكانت الأيادي البيضاء للإمارات حاضرة فيها. وتجلت قدرات «الفارس الشهم 2» في ميدان الإغاثة الإنسانية بكل صورها، المادية والطبية والغذائية، ومن خلال فِرق الإنقاذ التي أُرسلت على عجل ودون تأخير إلى كل من سوريا وتركيا. فالإمارات بما لديها من خبرة طويلة في مجال تقديم المساعدات الإنسانية، علاوة على ثقافة التبرع والتطوع التي يملكها الشعب الإماراتي، دائماً نجد فِرقها للدعم منظمة وسبّاقة بتدخلاتها الإنسانية إلى ساحات الكوارث.

وقد شاهدنا تجهيز المشفى الميداني المتكامل، في وقت قصير، لصالح كل من تركيا وسوريا، إذ بدأ منذ الساعات الأولى يستقبل عشرات المصابين يومياً. وستظل دولة الإمارات، لها الريادة والتميز والإبداع، وهي تشع بعطائها الإنساني، محلياً وإقليمياً ودولياً، ما يزيد من قوتها الناعمة في الميدان الإنساني.

*سفير سابق