بيت العائلة الإبراهيمية في جزيرة السعديات بأبوظبي يضم ثلاثة صروح، المسجد والكنيسة والكنيس. وبعيداً عن كون البيت - بمبانيه الثلاثة - مخصصاً لممارسة العبادات، فهو - كما يعتبره كثيرون - مساحة للحوار ولمعرفة الآخر عن كثب، وخصوصاً بعد توقيع وثيقة الأخوة الإنسانية عام 2019 التي تمثّل تعبيراً حقيقياً عن إيمان راسخ بالقيم الإنسانية النبيلة وبالقواسم المشتركة بين بني البشر.
والإمارات بإعلانها عن افتتاح هذا البيت تؤكد على رسالتها فيما يتعلق بالتسامح الديني وحرية اختيار العقيدة، وهذا أمر غير متاح حتى اليوم في كثير من بلدان شرقنا. وإن تبنّي الإمارات هذه الفكرة نابع أساساً من إدراكها حقيقة أننا نحن البشر نعيش في عالم قائم على التعددية والتنوع، وبالتالي لا توجد دولة ذات «لون أحادي».
لكن ما يدعو إلى الأسف أن تكون الشائعة سيدة الموقف عوضاً عن تحري الحقيقة. ومن بعض الإدعاءات الآن أن الهدف من بيت العائلة الإبراهيمية إذابة الأديان الثلاثة في دين واحد، وهو أمر لا يمكن أن ينطلي على عاقل، لأن أتباع كل دين معتدّون بمعتقداتهم وشعائرهم وطقوسهم، وبالتالي لا يمكنهم التنازل عما آمنوا به وآمن بهم أهلهم من قبلهم.
صحيح أن البشر لا يتبعون ديناً واحداً، لكن غالبيتهم يجتمعون على مذهب واحد، هو الإنسانية. ومهما اختلفت الديانات في كثير من التفاصيل، إلا أنها تؤكد على وصايا متشابهة تحض على فعل الخير والابتعاد عن الشر. ومن هنا يمكن التوقف عند المبادئ والقيم والأخلاق والضوابط التي تجمع بيننا كبشر، وتعلي من شأن كرامتنا، وتؤكد على إشاعة الأخوة والاحترام والتعاون والسلام بيننا.
ولعل كل ما سبق ينضوي تحت مظلة بيت العائلة الإبراهيمية الذي يحترم خصوصية أتباع كل دين من الأديان الثلاثة على حدة، ويرفض الإقصاء، ويبرز مفهوم الاعتدال في مواجهة التطرف. إنه باختصار رمز يدعو الناس أجمعين إلى التمسك بمذهب الخير الذي هو سبيل البشر الوحيد نحو خلاصهم من كل ما يهدد استقرارهم، وهو كذلك القوة التي تحصنهم ضد نوازع الشر والضلال.
منذ عقود طويلة، يعيش في الإمارات أناس من مختلف الجنسيات وهم يتبعون ديانات وعقائد مختلفة، لكنها اليوم تحتضن أكثر من 200 جنسية، وكثيرون منهم يؤدون بحرية شعائرهم وطقوسهم الدينية. في المقابل، ثمة من يحاول تشويه صورة دينه حين يمزق كتاباً مقدساً، أو يحرق رمزاً دينياً، أو يقتل باسم الدين. وكل من يقوم بهكذا أفعال هو حتماً يثير الفتنة بين الناس، ويحرض على الكراهية التي تصل إلى حد القتل، وهؤلاء عقابهم الدنيوي لا بد أن يكون صارماً وبالقانون.
ليس المهم ما هو دين المرء، لأن الأهم هي أفعاله، والتي إما أن تتسم بالشر وتكون ضد الإنسانية، أو تتسم بالخير وتكون مع الحياة بسلام وأمان. والله حين خلق الناس خلقهم شعوباً وقبائل ليتعارفوا، وهنا مربط الفرس. إذ لا فضل لأحد على آخر إلا بالصلاح والتقوى والبر، ومن كان باراً بأهله وصحبه ومجتمعه فهو حتماً نشأ في بيئة صحية لا غل فيها ولا حقد. ثم إن المرء بحد ذاته إن هذّب نفسه فإنه سيتعلم الكثير عن دينه ودنياه، فلا يفسد في الأرض ولا بأهلها، في حين يغرق الجاهل في فخ جهله، وهذا، الحذر منه واجب لأنه مبتدع للفتن ومثير للشرور. فما أحوجنا اليوم لبث قيم الخير والسلام والسلم علّنا نعيش المدنيّة بأبهى صورها، والحضارة بأفضل ما فيها.