تكتسب العلاقات بين الهند وألمانيا زخماً في العديد من المجالات مع قيام المستشار الألماني أولاف شولتز بزيارة للهند لاستكشاف مجالات أخرى للتعاون. وقد اتفق رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي والمستشار شولتز، في محادثاتهما الأسبوع الماضي، على تعزيز العلاقات الثنائية في مجالات الطاقة النظيفة والتجارة والتكنولوجيات الجديدة. وكانت هذه أول زيارة يقوم بها شولتز للهند منذ توليه منصب المستشار الألماني، وقد رافقه خلالها وفد تجاري كبير.
وقد توطدت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة. وبالنسبة لألمانيا، فالهند باعتبارها الاقتصاد الأسرع نمواً هي سوق كبير كذلك. وبالنسبة للهند، تمتلك ألمانيا تقنيةً عالية ومعدات دفاعية تحتاجها نيودلهي بالقدر نفسه في سعيها لتعزيز قوتها العسكرية. ومن ثم، فإن دفع العلاقات الثنائية يصب في مصلحة الطرفين. وتسعى ألمانيا، جنباً إلى جنب مع دول أوروبية أخرى، للفوز بعقد لتزويد الهند بست غواصات جديدة. وفي العام الماضي، وقَّع الجانبان اتفاقياتٍ ثنائيةً تركّز على التنمية المستدامة، ستحصل بموجبها الهندُ على مساعدات بقيمة 10.5 مليار دولار بحلول عام 2030 لتعزيز استخدام الطاقة النظيفة.
وفي حين أن زيارة شولتز كانت تتعلق ظاهرياً بدعم العلاقات الثنائية الهندية الألمانية، فإنها في الواقع كانت استمراراً للضغوط الأوروبية على الهند بشأن أوكرانيا. فقد تناول المستشارُ الألماني في مباحثاته حربَ أوكرانيا، بما في ذلك خطة السلام الصينية التي تدعو إلى وقف إطلاق النار والحوار بين كييف وموسكو. وحثَّت الصينُ الغربَ على رفع العقوبات المفروضة على روسيا وإقامة ممرات إنسانية لإجلاء المدنيين وخطوات لضمان تصدير الحبوب. وكان موقفُ الهند أيضاً هو أن الحربَ لا تفيد أياً من الطرفين وأنه يجب عليهما معاً حل المشكلات من خلال الحوار. ويسعى الاتحاد الأوروبي أيضاً إلى مزيد من التوافق مع الهند بشأن أوكرانيا نفسها.
ومن جانبها، حافظت الهندُ على موقف محايد حتى مع استمرارها في شراء النفط من موسكو لدعم اقتصادها المتنامي. فالهند تتمتع بعلاقات وثيقة مع روسيا، باعتبارها شريكاً دفاعياً رئيسياً منذ سنوات طويلة، ومع الولايات المتحدة التي تعتبر أهم حليف بالنسبة للهند. وكل من هاتين الشراكتين تمثل أهمية للتعامل مع ما تراه نيودلهي من «تهديدات قريبة». وامتنعت الهندُ عن التصويت في مجلس الأمن الدولي على القرارات المتعلقة بأوكرانيا، منعاً لعدم الانجرار إلى دخول الصراع. أما الدول الأوروبية، فسعت إلى أن تدين الهندُ روسيا، لكن الهندَ وجَّهت بعض كلمات قاسية إلى الأوروبيين. وخلال النسخة السابعة عشرة من اجتماع «منتدى جلوبسك براتيسلافا» الذي عقد في سلوفاكيا العام الماضي، صرَّح وزيرُ الخارجية الهندي قائلاً إن أوروبا «يجب أن تخرج من عقلية أن مشاكل أوروبا هي مشاكل العالَم، ولكن مشاكل العالَم ليست مشاكل أوروبا».
وفي الوقت نفسه، تسعى الهند والاتحاد الأوروبي إلى تعزيز العلاقات التجارية بينهما. وقد أكد الجانبان مجدداً على التزامهما بإبرام اتفاق ثنائي للتجارة الحرة. وفي العام الماضي أعاد الطرفان إحياءَ المفاوضات لإبرام اتفاقية تجارة حرة بهدف استكمال المحادثات بحلول نهاية عام 2023. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، تمثل اتفاقية التجارة الحرة مع الهند أهميةً خاصةً باعتبار أن الهند هي الاقتصاد الأسرع نمواً، وفقاً لصندوق النقد الدولي. كما أنه يعزز قرار الاتحاد الأوروبي لزيادة المشاركة مع الهند ومنطقة المحيط الهادئ لموازنة النفوذ الصيني في المنطقة. وبالنسبة للهند، فهذا يعني فتح مجالات جديدة للتعاون. ويبحث الجانبان إجراء مفاوضات «واسعة النطاق ومتوازنة وشاملة»، وذلك «على أساس مبادئ العدالة والمعاملة بالمثل». ومن الواضح أن الطرفين يسعيان إلى إضافة عناصر جديدة إلى شراكتهما وسط حالة عدم اليقين التي أحدثتها حرب أوكرانيا.
لا شك في أن هناك تحديات أمام تحرير التجارة بين الجانبين، لا سيما في ظل مقاومة الاتحاد الأوروبي تخفيف نظام التأشيرات للمهنيين، ناهيك عن فرض التعريفات الجمركية على المشروبات الروحية ومنتجات الألبان من الاتحاد الأوروبي، إلى جانب القضايا المتعلقة بتوطين البيانات والأطر التنظيمية الأوروبية. ومع ذلك، أكد المستشار شولتز مجدداً أن القادة الهنود والأوروبيين ملتزمون بإبرام اتفاق تجارة حرة بين الهند والاتحاد الأوروبي.
ومن الواضح أن حرب أوكرانيا تُغير نظرةَ الدول إلى بعضها البعض. وبالنسبة للعديد من البلدان، أصبحت منطقة المحيطين الهادئ والهندي، بما تملكه من محركات النمو، موضعَ تركيز جاد، فيما تواجه الاقتصاداتُ الغربيةُ تباطؤاً. وترى هذه البلدان أن النموَّ سيكون في آسيا، ومن الواضح أن هذا هو محور تركيزها. وبالنسبة للغرب، تمتلك الهندُ درجةً من الثقة، وهذا يسهل أيضاً إقامة تعاون أكبر بين الهند والغرب. أما بالنسبة لأوروبا، فيعدُّ تحسينُ العلاقاتِ مع الهند أمراً بالغَ الأهمية بالنظر إلى النفوذ الاقتصادي المتنامي لدول جنوب آسيا. وفي ظل نمو يتوقع أن يتجاوز نسبة سبعة في المئة العامَ المقبل، ستساعد الهند -إلى جانب الصين أيضاً- في دفع الاقتصاد العالمي.

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي