دخلت الحرب في أوكرانيا عامها الثاني بلا جديد يُذكر سوى مبادرة صينية تُعد الحدث الأهم في ذكراها السنوية الأولى. وتكتسب المبادرةُ أهميتَها من مكانة الصين في العالَم، ومن علاقاتها القوية مع روسيا. كما أنها المحاولةُ الأولى لفتح كُوَّةٍ صغيرة في جدار الحرب السميك، وتقديم صورة للمتحاربين وهم يجلسون في النهاية على طاولة المفاوضات. ولا يقل أهميةً عن ذلك أنها أظهرت رغبةً دفينةً لدى كل من موسكو وكييف في إنهاء الحرب في وقت ما، بخلاف ما يبدو من خطابهما الرسمي، إذ استقبل كلٌ من الطرفين ذكرى مرور عام على الصراع العسكري بإعادة تأكيد الإصرار على مواصلة القتال.
إعلان كييف استعدادَها لبحث المبادرة مع القيادة الصينية لا يخلو من مغزى، حتى وإن كان هدفه استثمار الفرصة لفتح جسر مع بكين. ولا يمكن إغفال أهمية مد الجسور عموماً، وفي أوقات الحروب خصوصاً. وإعلان روسيا ترحيباً مبدئياً بالمبادرة، وتأكيد الشروع في دراستها، خطوة إيجابية أيضاً. وهذا تطورٌ محمودٌ في الوقت الذي يستعد فيه الطرفان لمرحلة جديدة من القتال على جبهات عدة بعد الخروج من البيات الشتوي النسبي.
لكن أثرَ المبادرةِ لا يقتصر على ذلك، فقد رفدت النقاشَ حول التسوية السلمية بشعاع أمل قبل التصاعد المتوقع في العمليات العسكرية خلال الأسابيع المقبلة. وربما تخلق المعاركُ الأعنفُ التي ستشهدها جبهاتُ القتال وضعاً يضطر فيه الطرفان إلى مراجعة خياراتِهما وحساباتِهما، في ظل استبعاد تحقيق أي منهما نصراً حاسماً. ورغم صعوبة تَوقُّعِ متى يمكن أن يقتنعا بذلك، فالقدْر المتيَقَّن أن الظروف تصبح مهيأةً لتسويات سلمية عندما يصاب طرفا أي حرب بإنهاك شديد، فتغدو التنازلات التي يقدمها كل منهما أقل تكلفةً من الاستمرار في الحرب. والمتوقع أن يحدث هذا عند بلوغ ذروة الاستنزاف المتبادل الذي سيزداد في الأشهر القليلة المقبلة، حيث ستكون المعارك أكثر كثافةً وعنفاً.
ما زالت لدى روسيا قدرةٌ كبيرةٌ على مواصلة حرب الاستنزاف، سواء من حيث الأسلحة والمعدات أو القوات التي عزَّزتها «التعبئة الجزئية»، لكن ليس إلى ما لا نهاية. وما برح الدعم العسكري والمالي الغربي لأوكرانيا مستمراً. إلا أن قدرة الداعمين على تحمل تكلفته ستتناقص تدريجياً.
كما أن هناك حدوداً لقدرة كل من الطرفين على تحمل الخسائر المترتبة على مواصلة الحرب. وتختلف هذه الخسائر في الحالتين، لكن ما يجمع بينها أن تراكُمَها سيفضي بالضرورة إلى وضع لا يمكن الاستمرار في تحمله.
ولهذا لا يصح تقييم أثر المبادرة الصينية اليوم، لأن الكلمة ما زالت للسلاح وليس للديبلوماسية، لكن أثرَها الإيجابي سيظهر عندما يُقلب هذا الوضع. وعندها ستكون الصينُ حاضرةً وقادرةً على أداء الدور الذي قد لا يستطيع غيرُها القيامَ به عندما تتهيأ الظروف للتفاوض. وحين يحدث ذلك، سيتبين لمن هوَّنوا من مبادرة الصين كم كانوا مخطئين.

*مستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية