كان من الأسهل قياس قلق أميركا بشأن الطاقة قبل عصر انتقال الطاقة: فما كان على المرء إلا النظر إلى واردات النفط. لكن الآن هذا يعني أيضاً القلق بشأن المكان الذي نحصل فيه على مواد مثل الليثيوم والجرافيت. وفجوة الليثيوم تبدو سهلة بالمقارنة. وتحتاج صناعة السيارات الكهربائية إلى خطة. وبسرعة. فإلى جانب اتباع النهج الأخضر في الاقتصاد، يريد الرئيس جو بايدن أشياء خضراء أخرى يتم استخراجها وصنعها محلياً، وهو ما أكد عليه في خطاب «حالة الاتحاد» الشهر الماضي. وقبل بضعة أشهر من إقرار قانون تقليص التضخم، استند بايدن أيضاً إلى قانون الإنتاج الدفاعي لتعزيز المصادر المحلية لمعادن البطاريات. والهدف من ذلك هو انتزاع السيطرة على سلاسل التوريد الخاصة بالتكنولوجيا النظيفة بعيداً عن الصين التي عكفت جاهدة في السنوات الماضية على بنائها. 
وغالباً ما يركز القلق بشأن قبضة الصين على البطاريات على الليثيوم. فهو على كل حال العنصر الحاسم، والصين تمثل أكثر من 70 بالمئة من القدرة على معالجة الليثيوم في العالم. لكن البطارية المتوسطة تحتوي على كم أكبر من الجرافيت الذي يمثل أكبر عنصر من حيث الوزن. والجرافيت هو المادة الرئيسية لأنود البطارية الذي يستوعب ويحتفظ بأيونات الليثيوم أثناء الشحن ويطلقها عند الحاجة إلى الطاقة. وقد تحتوي بطارية سيارة كهربائية نموذجية بقوة 60 كيلووات/ ساعة على 160 رطلاً من الجرافيت، مقارنة بنحو 20 رطلاً من الليثيوم. وقد يتغير المزيج الدقيق للمعادن الأخرى مثل الكوبالت والنيكل في القطب الآخر، وهو الكاثود، لكن مقدار الجرافيت في الأنود (القطب الكهربائي الموجب) ثابت إلى حد ما. 
وفي حالة الليثيوم، تهيمن الصين على معالجته فحسب وليس تعدينه. لكن في الجرافيت، لا مفر من الصين عملياً. فهي تمثل أكثر من ثلثي تعدين الجرافيت الطبيعي، ونحو 60 بالمئة من إنتاج الجرافيت الصناعي، أي البديل المصنوع من منتجات النفط الثانوية، ونحو 100 بالمئة من إنتاج الجرافيت الكروي المطلي، وهو الشكل المعالج المناسب للأنودات. وتمثل الصين أيضاً 98 بالمئة من التوسعات المعلنة في السعة التصنيعية للأنود حتى عام 2030، وفقاً لوكالة الطاقة الدولية. لكن ما استخرجته الولايات المتحدة العام الماضي من الجرافيت لا يكفي لملء قلم رصاص. والواقع أن الولايات المتحدة لم تقم باستخراج الجرافيت منذ الخمسينيات. وحتى لو تم استخراج الجرافيت، فسيتعين شحن كل تلك المواد الخام إلى الصين لمعالجتها على أي حال. 
ويؤكد سايمون مورس، الرئيس التنفيذي لشركة بينشمارك مينرال انتليجانس، وهي شركة أبحاث سوق مقرها المملكة المتحدة، أن منتجي السيارات في أميركا الشمالية يشعرون بالقلق من هذا، ولا غرابة. وتتطلب أهداف بايدن والخطط الاستثمارية لشركات إنتاج السيارات بيع ملايين المركبات الكهربائية كل عام، مما يؤدي في النهاية إلى السيطرة على سوق الولايات المتحدة بالكامل في غضون عقد أو عقدين. وسيتم بيع ملايين كثيرة أخرى في جميع أنحاء العالم. ومع ذلك، فإن مليون مركبة كهربائية فقط، بافتراض وجود بطارية بقوة 60 كيلوواط/ساعة في كل منها، يتطلب نحو 80 ألف طن من الجرافيت. والعام الماضي، بلغ طلب الولايات المتحدة على الجرافيت الطبيعي لجميع الاستخدامات، البطاريات أو غير ذلك، 72 ألف طن فقط. وتتوقع بينشمارك مينرال انتليجانس أن يرتفع الطلب العالمي على الجرافيت الشذرات- وهي الدرجة الطبيعية الأنسب للأنودات- بأكثر من ثلاثة أضعاف بحلول عام 2030 ليصل إلى 4.1 مليون طن. 

وحتى مع إبرام صفقات من أمثال جنرال موتورز لتأمين إمدادات الليثيوم المحلية، فإن فجوة الجرافيت الهائلة تهدد بالتفاقم بسرعة، ويبدو أن شيئاً لم ينعكس في الأسعار بعد، كما كان الحال مع الليثيوم قبل أن تترسخ المخاوف من النقص. وأشار مسح جيولوجي أميركي إلى رواسب محلية كبيرة من الجرافيت، لكنها في التقدير الأكثر سخاء، تبلغ 11.9 مليون طن. ولا يكفي لوضع الولايات المتحدة في نفس الفئة مع الصين أو البرازيل، لكن من المحتمل أن يكون كافياً لإعادة بناء بعض الإنتاج محلياً. وإلى جانب المخاطر الجيوسياسية، هناك سبب آخر للتنويع بعيداً عن الإمداد الصيني، وهو مرتبط بالأساس المنطقي الكامل للسيارات الكهربائية في المقام الأول وهو الانبعاثات. فمعالجة الجرافيت لاستخدامه في الأنودات تتطلب طاقة مكثفة. فطلاء الجرافيت الطبيعي يحتاج إلى تفجيره في أفران بدرجة حرارة تزيد على 2000 درجة فارنهايت. وفي الوقت نفسه، لا يُشتق الجرافيت الصناعي من النفط فحسب، بل يخضع لعدة عمليات في درجات حرارة عالية لتحويل هذا المنتج الثانوي إلى مسحوق الجرافيت. ويعتمد تقليص الانبعاثات المصاحبة لهذا إلى حد كبير على استخدام كهرباء منخفضة الكربون أو خالية من الكربون. ولذا ليس من المثالي الاعتماد على الصين التي يمثل قطاع الطاقة فيها ثلث استهلاك العالم من الفحم بالكامل. 

ومن ثم، يمثل استئناف إنتاج الجرافيت المحلي الآن قيمة استراتيجية وبيئية. وحددت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية عشرة مواقع تستخدم، إما لإنتاج الجرافيت أو لديها إمكانات، وأكبرها حتى الآن هو جرافيت كريك بشبه جزيرة سيوارد في ألاسكا. وتستهدف شركة جرافيت وان، ومقرها فانكوفر، إنتاج نحو 42 ألف طن من الجرافيت الجاهز للأنودات سنوياً، ليس فقط عن طريق التعدين في الموقع، لكن أيضاً عن طريق شحن الركاز الناتج على طول الساحل إلى منشأة معالجة مقترحة في ولاية واشنطن. وإلى جانب القرب النسبي، يوجد في واشنطن أكبر موارد للطاقة الكهرومائية عن أي ولاية وتولد أربعة أخماس الكهرباء من مصادر خالية من الكربون. وإذا افترضنا أن كل شيء قد تم تطويره، فإن سلسلة الجرافيت هذه ستجسد المطالب المتشابكة للطاقة والأمن الجيوسياسي والمناخ التي تحدد الآن النشاط الاقتصادي الحيوي للمعادن في الولايات المتحدة.

ليام دينينج

كاتب متخصص في شؤون الطاقة 

ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست لايسنيج آند سينديكيشن»