في عام 1987 ظهر أول هاتف جوال من شركة نوكيا. ثلاثون عاماً وانتهت حقبة مهمة في تاريخ التقنية للهواتف المحمولة، اعتزلت «نوكيا» بعدما تركت بداخلنا أثراً في غاية الأهمية، ألا وهي المحطات التي كانت تعيرنا شعوراً بالاهتمام من الآخرين، كان صوت نغمة رنين «نوكيا» ليخبرك أن هناك رسالة قادمة إليك، كانت الرسائل النصية مجالاً جديداً، لأن تكتب مشاعرك لأحد بسطور قليلة، كنا نشارك النكت والشعر والعتاب عبر هذه المنصة. كانت «نوكيا» بطلة والأولى في الساحة، ولم يكن أمامها منافس رغم كل المحاولات، استطاعت أن تستحوذ على السوق العالمي، لكنها فجأة سقطت في قمع مثلث لأنها لم تستطع أن تواكب التطور التقني الجديد، سرقت الشركات الأخرى نجاحها، ولم تفكر أن تعود إلى الساحة وليست لديها فرصة لأن تقدم خدمة غريبة، مختلفة ومميزة، كان الجمهور يقف إلى جانب «نوكيا»، حتى سقطت للأسف.
وبعد أن تخلت «نوكيا» عن الحضور والتواجد، فوجئنا بوجود شركة جديدة تدعى «بلاك بيري» لتكتسح العالم بأكمله وبشكل لم يسبق له مثيل في مجال التقنية، أذكر جيداً كيف كنت ملتصقين بهذا الجهاز نهاراً وليلاً، فقد استطاعت شركة «بلاك بيري» أن تجذب عدداً مهولاً من مختلف البشر في العالم.

الرابط بين الرسائل النصية في نوكيا وغيرها، وجهاز البلاك بيري، أنهما كانا يعتمدان على الرسائل القصيرة، حيث تقرأ قصة لا تتعدى عدداً من السطور، تضحك لنكتة، تتبادل «الشات» مع المضافين لديك وهكذا..الآن البطل الحقيقي هو برنامج «تويتر»، هذا البرنامج لم يصنع نفسه، إنما استطاع أن يفهم ماذا يريد الجمهور في الوقت الحالي. إنهم يريدون تطبيقاً  يلف بك حول العالم، بينما أنت في مقهاك أو في سيارتك. ويمكنك الوصول إلى «الترند»، حتى تصبح الأكثر شهرة لأي سبب كان. فأصبح لـ«تويتر» قيمة على الرغم من أنه كان لا يسمح للجمهور بإشباع رغبته في كتابة ما يجول بداخل نفسه، بسبب عدد الكلمات المحدود، فأعاد من جديد ترتيب نفسه وأضاف عدداً من المفردات حتى يرضى متابعيه. 

الفارق بين تويتر وجيل نوكيا والبلاك بيري، أنه يظهرك للعالم، للمشاهير. الأهم من ذلك أصبح كبار الساسة يستخدمون برنامج «تويتر»، لأنه يظهرهم كما يحبون . مستخدمو وسائل التواصل المختلفة يبحثون عن إعادة رسم شخصياتهم بطريقتهم الخاصة، تلك التي لربما لا يعرفها جاره بشكل واضح، ويتجلى وهو يحاكي كاتباً شهيراً أو يناقش بروفسوراً عن طبيعة عمله. 
الشعور الذي ولدّه «تويتر» كان مختلفاً، أنت الآن مكشوف أمام العالم، ومكشوفة أفكارك المتعددة والتي من الممكن أن تكون مختلفة تماماً عن الآخرين، ظهورك بصورتك العلنية يعني إيمانك بذاتك. «تويتر» أيضاً جاء من فكرة أدب الرسائل، لكنه كان يعلم أن مستخدميه لا يرغبون في قراءة النصوص الطويلة، وللأسف مجتمعنا العربي يعشق هذا النوع وإلا لما تربعت «نوكياً» على القمة لعدد من السنين بسبب الرسائل النصية. 
أدب الرسائل كان فناً من فنون العرب، والرسائل  من الفنون الأدبية القديمة  التي ازدهرت في القرنين الثالث والرابع الميلاديين. والعربي بطبيعته الخاصة، يروق له أن تكون هناك برامج توثق حياته وأفكاره، إلى جانب عشق البعض لمفهوم اللصوصية، أي التعرف على الآخرين ولو من خرم إبرة، فلجأ هؤلاء إلى تطبيقات عدة مثل «إنستغرام» و«فيسبوك» ليوثق مسيرة حياته اليومية، ويتمتع بمعرفة أخباره جيرانه أو قبيلته أو حتى زميله في العمل. 
وظهر لنا فجأة رجل مكسيكي قام بتصميم تطبيق إلكتروني يتيح لمستخدميه تخزين الرسائل والأمنيات الأخيرة التي يرغبون في مشاركتها مع أحبائهم بعد وفاتهم. كما يتيح التطبيق المسمى «باست بوست»، للمستخدمين «ترتيب الوضع تحضيراً لهذه اللحظة التي تصل في وقت غير متوقع»، على ما يوضح لوكالة فرانس برس مبتكره، رجل الأعمال ميغيل فاريل. على سبيل المثال، يسمح التطبيق لأب يتمتع بصحة جيدة، بتسجيل رسائل تهنئة يمكن لأبنائه الاستماع إليها بعد سنوات عند تخرجهم، في حال فارق الحياة قبل بلوغ هذه اللحظة، كما ورد في مقطع فيديو ترويجي. المضحك أن مصمم هذا البرنامج يشدد على أن المستند الذي ينشئه التطبيق «ليست له قيمة قانونية، لكنّ قيمته الرمزية مهمة للغاية. 
في النهاية استطاع مؤسسو «تويتر» معرفة حاجة أفراد المجتمع، ليصبح هذا البرنامج بهذه الشهرة، لكن لا بد أن يعترفوا أن هناك من سبقهم في ذلك، لكنهم كانوا الأذكى. 

*روائية وكاتبة سعودية