عرف اجتماع وزراء خارجية بلدان مجموعة العشرين الذي عُقد هذا الأسبوع استمرارَ الخلافات بين الأعضاء حول حرب أوكرانيا. غير أن الهند التي تسلمت رئاسة المجموعة من إندونيسيا وستستضيف قمة القادة في شهر سبتمبر المقبل، حاولت بناءَ توافق في الآراء حول أكبر عدد ممكن من المواضيع، على الرغم من انقسام واضح في المجموعة بشأن أوكرانيا.
وكما كان متوقعاً، لم يصدر أي بيان مشترك بسبب اختلاف وجهات النظر حول كيفية تعريف حرب أوكرانيا. كما ركزت عناوين وسائل الإعلام على الخلافات بين الأعضاء حول هذا الموضوع في وقت يُنظر فيه إلى التعددية على أنها في خطر. وقد ألمح رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي إلى ذلك في الكلمة التي ألقاها على اجتماع وزراء الخارجية إلى أن هناك حاجة إلى تطوير توافق في الآراء حول التحديات العالمية الملحة، وعدم التركيز على ما يقسّم المجموعة بل على ما يوحّدها. وهذا هو موقف الهند بكل وضوح، إذ تعتزم التركيزَ على المواضيع التي يوجد حولها اتفاقٌ عوضاً عن السماح للخلافات بعرقلة أشغال اجتماع المجموعة. ولئن كان من غير الواضح بعد كيف سيترجم كل ذلك على الأرض في نهاية المطاف، فإن نجاح الهند يكمن في أنها جلبت المواضيعَ التي تُعد أساسيةً لبلدان الجنوب إلى واجهة الاهتمام العالمي، ووضعتها على طاولة تفاوض هذه المجموعة متعددة الأطراف التي يُعد أداؤها أفضل من أداء مجموعات أخرى متعددة الأطراف. 
ولا شك في أن هذه المجموعة تبدو في الوقت الراهن واعدةً أكثر مقارنةً بمجلس الأمن الدولي في ما يتعلق بالتعاطي مع المشكلات الدولية التي تواجه العالَم، ذلك أنها تضم ممثلين من بلدان العالَم النامي والمتقدم، بينما كشفت حربُ أوكرانيا المتواصلة ضعفَ نظام الأمم المتحدة. ولهذا تُعد رئاسة الهند للمجموعة في هذه اللحظة، عقب الرئاسة الإندونيسية، أساسيةً جداً لتسليط الضوء على المشاكل التي تواجه البلدان النامية، خاصة أن وجهة النظر التي تقدَّم في التجمعات متعددة الأطراف هي في الغالب وجهة نظر العالَم المتقدم. وفي اجتماع المجموعة، كانت روسيا والصين على جانب بينما كانت البلدان الغربية على الجانب الآخر. 
غير أنه وسط كل الانقسام المتزايد، واصلت الهندُ لعبَ دور الوسيط من أجل جَسر الهوة بين الجانبين. ذلك أن نيودلهي توجد في وضع فريد من نوعه، إذ رفضت الانحياز إلى أي طرف في حرب أوكرانيا وامتنعت عن التصويت ضد روسيا في مجلس الأمن، مما أثار امتعاضاً غربياً. وفي الوقت نفسه، كثّفت الهندُ ضغطَها على روسيا من أجل إنهاء الحرب والجلوس إلى طاولة المفاوضات. عملية تحقيق التوازن هذه أملتها اعتباراتٌ استراتيجيةٌ إلى جانب علاقات طويلة ما انفكت تزداد عمقاً مع روسيا في مجالي الدفاع والطاقة. 
وعلى الرغم من أن الجانب الهندي اعترف بوجد اختلاف في وجهات النظر حول أوكرانيا، فإنه أبرز أيضاً كيف أن هناك توافقاً في الآراء حول مجموعة كبيرة من المواضيع. وكان ذلك مهماً لأن الهند جلبت المواضيعَ التي تواجه البلدانَ النامية إلى الواجهة في اجتماعات المجموعة. ولهذا وبدلاً من إصدار بيان مشترك، اكتفت الهند باعتبارها البلد الذي يترأس المجموعة بنشر وثيقة ختامية وملخص رئيسة المجموعة. 
النقاش في اجتماع وزراء خارجية بلدان المجموعة شمل موضوعات متنوعة من تغير المناخ والصحة وتخطيط المهارات، إلى التكنولوجيات الجديدة والناشئة والأمن الغذائي والطاقة. وعكست الوثيقةُ الختاميةُ النقاشاتِ التي أُجريت في اجتماع وزراء الخارجية. ووفقاً للوثيقة الختامية، فقد اتفق الزعماءُ على تكثيف الجهود من أجل المساهمة بفعالية في نجاح «قمة أهداف التنمية المستدامة» المقبلة في نيويورك في سبتمبر 2023، و«مؤتمر الأطراف» («كوب 28») الذي سيعقد في دولة الإمارات العربية المتحدة في نوفمبر وديسمبر 2023، و«قمة المستقبل» في نيويورك في 2024. كما أيد الأعضاءُ تعميقَ التعاون بين مجموعة العشرين والشركاء الإقليميين، بمن فيهم الشركاء الأفارقة. واتفقوا على دعم «الزخم الإيجابي عبر الانخراط في نقاشات نشطة وبناءة وبراغماتية ومركّزة حول إصلاح منظمة التجارة العالمية لتحسين كل أدوارها». 
أحد المواضيع المهمة التي كانت محل نقاش هو الأمن الغذائي العالمي الذي بات يمثل مشكلةً رئيسيةً منذ اندلاع حرب أوكرانيا. ففي البداية تأثرت صادرات الحبوب من أوكرانيا، وبعد ذلك تأثرت إمدادات الأسمدة التي تُعد مهمة للأمن الغذائي في بلدان عدة، بعد خروجها من روسيا. ولئن كانت صادرات الحبوب قد استُئنفت، فإنه يُنظر إلى الحرب في أوكرانيا على أنها ساهمت في تضخم أسعار المواد الغذائية في وقت كانت فيه معظم البلدان أصلاً متأثرة بوباء «كوفيد-19» والاضطرابات التي طالت سلاسل الإمداد. 
ولئن كان من غير الواضح المنحى الذي سينحوه هذا الموضوع، فإن الهند استطاعت تسليطَ الضوء على هذه المواضيع بالغة الاهتمام أثناء رئاستها لمجموعة العشرين، لأن الخلافات حول أوكرانيا ستبقى موجودةً، والطريقة المثلى هي الالتفاف عليها، وهو ما تفعله الهند حالياً. 

*رئيس مركز الدراسات الإسلامية- نيودلهي