تكثف الأطراف المعنية بالأزمة الليبية جهودها لإيجاد حل جديد لتحريك الأوضاع الراهنة والمجمدة منذ أكثر من عام، خاصة أن أطراف المعادلة في الداخل لم يتفقوا بصورة نهائية على مضمون المسار الدستوري اللازم لإجراء الانتخابات الرئاسية والنيابية.
يعزز هذا التصور الأولي اتفاق عبد الله باتيلي المبعوث الأممي، مع أنتوني بلينكن، وزير الخارجية الأميركي، ونائب الممثل الدائم للصين لدى الأمم المتحدة، داي بينغ، على ضرورة دعم إجراء الانتخابات الليبية قبل نهاية العام الجاري، بجانب اقتراح البعثة الدولية تشكيل لجنة رفيعة المستوى تُعنى باستكمال القوانين الانتخابية، وهو ما يُنظر إليه على أنه تجاوز لدور مجلسي النواب والدولة، وسيولد حالة من الرفض المكتوم في الفترة المقبلة، خاصة مع استمرار انعدام الثقة بين الأطراف الداخلية وعدم الانخراط جدياً في إجراءات حقيقية بحيث يمكن أن تصل إلى اتفاق ولو مبدئي. ومن ثم - فإنه وفي ظل هذه الحالة من الانقسام الداخلي غير المسبوق والمستمر - لا يمكن إجراء انتخابات هذا العام كما يتصور البعض، خاصة أن التدخل الخارجي سبق أن أفشل إجراء الانتخابات السابقة كما يردد البعض من داخل المعادلة الليبية شرقاً وغرباً.
في هذا السياق، فإن هناك مجموعة من الحقائق التي فرضت نفسها علي الواجهة مجدداً، منها أن الكيانات السياسية الحالية – بصرف النظر عن شرعيتها ودورها الحالي - عجزت عن إيجاد صيغة توافقية لإجراء الانتخابات المعطلة، ما ترتب عليه تدهور وتردي الأوضاع، ومن ثم من الضروري عقد الانتخابات الرئاسية المباشرة والبرلمانية بشكل متزامن، وعدم تقديم واحدة قبل الأخرى.
يرتبط بهذا الأمر دعوة المبعوث الأممي باتيلي لتنظيم حوار مع ممثلي المجموعات المسلحة، بناءً على طلب اللجنة العسكرية المشتركة (5 +5)، برغم افتقاد الحوار مع الميليشيات إلى آليات تفعيله، ويفهم من طرح «باتيلي» بخصوص المسار العسكري والأمني، قلة خبرته بالواقع الليبي ويتماهى مع التوجهات والخطط الأميركية، حيث تسعى واشنطن لإنهاء توحيد المؤسسة العسكرية الليبية، وبالتالي فمن غير المتوقع على الإطلاق الدخول في حوار حقيقي مع اللجنة المعنية بتوحيد تلك المؤسسة. والواضح أن التطورات الداخلية لم تقترب من المقاربات الحقيقية المطلوبة لتحقيق برامج الأمم المتحدة، وذلك لعدم تنفيذ استحقاقات عدة باتفاق وقف إطلاق النار، وفي مقدمتها إنهاء وجود القوات الأجنبية والمرتزقة، وإنهاء تدفق وتهريب السلاح.
تطور بالغ الأهمية، وفي سياق ما يجري، جاء التحذير الروسي من أي تسرع في تنظيم الانتخابات المنتظرة، حيث يستند التحذير إلى تخوفات حقيقية، من بينها أن الطرح الأممي جاء مفاجئاً للشعب الليبي. موسكو ترى أن أي تحرك على مسار الانتخابات لن يجدي نفعاً دون مشاركة الليبيين كافة فيه، وعلى اعتبار أن الصيغ الجديدة قد لا تكون ناجحة، بسبب عدم معالجة الأخطاء السابقة، حيث تقضي المبادرة التي طرحها باتيلي، كما هو معلن لتشكيل لجنة توجيهية تجمع كل أصحاب المصلحة، والمؤسسات، والشخصيات، وزعماء القبائل وتستهدف الوصول للانتخابات الرئاسية والبرلمانية. والمعلوم أن أحزاباً سياسية، أبدت ترحيبها بتشكيل اللجنة الجديدة، والتوجه للانتخابات خلال العام الحالي، واحترام إرادة الناخبين.
كما لا يزال يهيمن ملف الإدارة العادلة للموارد الليبية على الواقع الراهن، في إشارة إلى أن التوزيع العادل لعائدات النفط بناء على ما تم بين محمد المنفي، رئيس المجلس الرئاسي، وعبد الحميد الدبيبة، رئيس حكومة الوحدة المؤقتة، مرتبطاً بتوقيت محدد وحسابات حذرة، الأمر الذي سيفرض التأكيد على أهمية البعد الاقتصادي باعتبار أن له الأولوية على بقية الملفات الأخرى التي يمكن أن تطرح نفسها خلال الفترة المقبلة.
ما تنتظره ليبيا لا يتوقف على لجنة الانتخابات المقترحة من البعثة الأممية فقط، بل أيضاً باحتمالات وضع خطة بديلة محتملة للتعامل مع ما سيجري، ومحاولة إعادة تدوير الحلول والخيارات مجدداً.
* أكاديمي متخصص في الشؤون الاستراتيجية