تُعد وسائل الإعلام، التقليدية منها والجديدة، جزءاً من الحرب الهجينة لإخضاع العدو وراء خطوط المعركة.

والأمر هنا لا يتعلق فقط بمَن تنتصر قواته في ساحة القتال، ولكن بمَن تنتشر روايته حول العالم، ومَن يكسب معركة القلوب والعقول. ومنذ أنْ أخذت طبول الحرب تدق بين روسيا وأوكرانيا بداية العام الفائت، تنخرط الدولتان، وحلفاؤهما في الشرق والغرب، في حرب معلومات شديدة الوطيس.

وبينما تقوم استراتيجية روسيا على «مبدأ جراسيموف» للحرب الهجينة وتوظيف فكرة الحجم الكبير باستهداف جمهور واسع وإصدار أعدادٍ هائلة من الرسائل، تستند الاستراتيجية الأوكرانية على الشراكات والتحالفات، بالإضافة إلى الرسائل المستهدفة وجاذبيتها. ومع ذلك، تتشابه الأدوات التي توظفها الدولتان في الفضاء المعلوماتي، الذّي أصبح مزدحماً بالروايات غير الصحيحة وقصص النفي لما يُحدثه الجانب الآخر.

فالطرفان يمارسان التقييد على مصادر الأخبار ووسائل الإعلام، ولا سيما تلك التي تعرض وجهات نظر مختلفة، ويضيقان على الصحفيين والإعلاميين والمدونين والمؤثرين وغيرهم، ويعتمدان على وسائل التواصل الاجتماعي ساحة معركة لنشر الروايات المتعارضة عن الحرب وتصوير الصراع الدائر بشروطهما الخاصة.

والحقيقة أن التحول نحو وسائل التواصل الاجتماعي كقناة توزيع أساسية لحملات الدعاية الاستراتيجية أدى إلى تنامي دورها في تشكيل ديناميكيات الحرب، وتغيير كيفية شن حرب المعلومات، وتحديد المشاركين في المحادثات الجارية لتشكيل روايات الصراع.

وتُعد تيلجرام منصة التواصل الاجتماعي الرئيسة التي يمكن الوصول إليها حالياً لكل من الروس والأوكرانيين، وتوظَّف في كافة أبعاد الحرب، بدءاً من تعريف اللاجئين الأوكرانيين بفرص المرور الآمن إلى توفير فيديوهات مباشرة للأحداث في ساحة المعركة، خاصةً وأنه لا توجد لدى المنصة سياسات رسمية لفرض رقابة أو إزالة أي محتوى من أي نوع.

علاوة على ذلك، فقد تشكلت وزارة التحول الرقمي الأوكرانية «جيش الإنترنت»، وهو عبارة عن مجموعة من المتطوعين الذين يساعدون الحكومة في خوض الحرب الإلكترونية والمعلوماتية، بما في ذلك العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي الذين ينشرون رسائل تستهدف الشركات الغربية التي تمارس أعمالاً تجارية في روسيا. كما خاطب المتطوعون مسؤولين حكوميين أجانب، مطالبين إياهم بتزويد أوكرانيا بالأسلحة الثقيلة. وعلى الجانب الآخر، زاد دور وأهمية المدونين العسكريين الروس، المؤيدين للحرب وللرئيس «فلاديمير بوتين»، وظهروا كبديل قوي للمواقع الإخبارية الروسية التقليدية، وهم يحوزون على دعم الكرملين.

والواقع أنه يمكن تفسير مواقف وسلوكيات خارجية رئيسية لكلٍّ من روسيا وأوكرانيا في ضوء حرب المعلومات، منها: الاستراتيجية النووية الروسية الجديدة، والصراع على السيطرة على محطة زابوريجيا النووية، وضم الأقاليم الأوكرانية الأربعة في الشرق والجنوب لروسيا، والتصريحات المتبادلة عن ضحايا الحرب واللاجئين. ولكن هل يمكن تقييم نجاح أي من الطرفين في حرب المعلومات تلك؟ لايزال الوقت مبكراً لإجراء تقييم موضوعي في ضوء استمرار دوران رحى الحرب المعلوماتية بموازاة حرب الاستنزاف المكثفة على خطوط القتال في شرق أوكرانيا وجنوبها.

ومع ذلك، يمكن القول إن الحملة الروسية اكتسبت زخماً مع «المشاعر المناهضة للغرب وللاستعمار» في الصين وحلفائها في أوروبا الشرقية ودول الجنوب بخاصة، وأظهرت وسائل الإعلام الأميركية والغربية سطوتها في الغرب، وأكسبت القضية الأوكرانية وجوداً مؤثراً في سائر العالم.

*نائب رئيس قطاع مكتب دبي- مركز تريندز للبحوث والاستشارات.