في متابعة الصدى وردود الأفعال الدولية والإقليمية حول إعلان استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة العربية السعودية وإيران نلاحظ ارتياحاً دولياً إيجابياً تجاه خطة الطريق بين البلدين ومستقبل المنطقة في حال تم تنفيذ معالم الاتفاق وتفاصيله، خاصة ما يتعلق حالياً بفتح السفارات والممثليات الدبلوماسية خلال شهرين. وتنفيذ الاتفاقية الأمنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب ومراقبة الحدود، والتي تم إبرامها بين الطرفين في العام 2001.
مما لا شك فيه أن الارتياح الدولي والنظرة الإيجابية للاتفاق السعودي- الإيراني سببه الرئيسي التوقعات والقراءات التي ترى اقتراب إنهاء حالة التوتر والقلق التي سادت في المنطقة منذ انقطاع العلاقة بين الرياض وطهران عام 2016 وكان لها التأثير الأسوأ على عدد من الملفات الإقليمية المهمة والحساسة وخاصة في اليمن، والذي أدى إلى اتساع الهوة بين الأطراف اليمنية وسيطرة «الحوثيين» على العاصمة صنعاء وتهديد حدود المملكة العربية السعودية ومنشآتها النفطية.
نختلف مع بعض التحليلات التي ذهبت إلى أن الكاسب الأكبر من هذا الاتفاق هي إيران وحدها أو الصين وإيران فقط، كما نختلف مع كل من قرأ هذا الاتفاق بشكل معكوس على أنه يساهم في تهديد عمليات السلام في الشرق الأوسط التي بدأتها دولة الإمارات ومملكة البحرين في العام 2020. ويرى هؤلاء أن اقتراب طهران من الرياض سوف يساهم في تراجع ما كانوا يسمونه «تحالف إقليمي ضد إيران»، وذلك لأن تلك العقليات الضيقة لم تكن تفهم أنه ليس هناك ثمة تحالف إقليمي ضد إيران يطبخ في غرف سرية، بل كانت هناك جهود كبرى في العلن، وفي وسط النهار والضوء تهدف فقط لتحقيق السلام في الشرق الأوسط.
قراءة الاتفاق السعودي الإيراني من وجهة نظر واحدة، أو من جانب واحد، مثل العلاقة بين إيران وإسرائيل في ظل الاتفاق، وأن الاتفاق يعد مكسبا لإيران لأنه يحول دون عزلها نتيجة عمليات السلام بين الدول العربية وإسرائيل، هو مضيعة للوقت، بل وينقصه الرؤية الشاملة التي ترى المنطقة جميعاً، وترى ما تحتاجه منطقة الشرق الأوسط في المستقبلين القريب والبعيد، خاصة ما يتعلق بالعراق وسوريا ولبنان واليمن وفلسطين، وكذلك رؤية قيادة المملكة العربية السعودية بأهمية إعادة التوازن السياسي والاقتصادي في المنطقة، والخطط والاستراتيجيات السعودية التي تستند على مبادرة السلام العربية، التي أطلقها الملك عبدالله بن عبدالعزيز، طيب الله ثراه، في القمة العربية في بيروت عام 2002، وتنص على «أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي للدول العربية يتحقق في ظل الشرعية الدولية، ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده إسرائيل في هذا الصدد».
لو افترضنا أن إيران سوف تستمر في إنجاز الاتفاقات، الواحد تلو الأخر، وستبدأ فعليا في تخفيض نفوذها السياسي في فلسطين ولبنان واليمن وسوريا والعراق، وستهتم بعلاقاتها الإستراتيجية مع الدول الخليجية، وعلى رأسها السعودية والإمارات، وستركز جل اهتمامها على رعاية مصالحها الداخلية، وإصلاح علاقاتها الدولية، وهو أمر قد بدأته إيران للتو، بالتوصل إلى اتفاق مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، يسمح لمفتشي الوكالة بإجراء مزيد من عمليات التفتيش على برنامج طهران النووي، فإن إعادة طرح مبادرة السلام العربية، أو التوصل لحل في القضية الفلسطينية قائم على «حل الدولتين»، لن يشكل عبئا على إيران، بل ستكون جارة وصديقة لمجموعة دول تنعم بالسلام، وليس العكس، على أقل تقدير.
ما ينقص معظم التحليلات التي ترى الحرب ولا ترى السلام، ترى التصعيد والتهديد، ولا تؤمن بالجهود والمبادرات السياسية والديبلوماسية، تتعلق بتصريحات وبيانات للاستهلاك الإعلامي ولا يمكنها فهم مصالح الدول الإستراتيجية العليا، تهتم بما قاله المسؤول فلان وتنسى الشعوب وحاجتها الماسة إلى الأمن والاستقرار، فإن هذه التحليلات وما ينشأ عنها من خيالات سياسية، لا تقدم شيئاً جديداً، قد بدأ ولم ينته بعد، منذ عام 1948، وقد آن الأوان أن ينتهي.
وجهة نظري أن الاتفاق السعودي- الإيراني قد يكون بداية خارطة طريق جديدة، لمستقبل الشرق الأوسط، ويجب العمل على استثمارها إلى أبعد الحدود، لتحقيق المزيد من الاقتراب والتعايش السلمي بين دول وشعوب المنطقة، والذي سيسمح بالتفكير جلياً في حل المشكلات الأخرى العالقة، وعلى رأسها القضية المحورية الأولى، وهي القضية الفلسطينية، ولن أستغرب على الإطلاق، أن تقدم الشقيقة الكبرى، المملكة العربية السعودية، مبادرة سلام شرق أوسطية جديدة، تستلهم من مبادرة السلام العربية 2002، تضمن لجميع الدول العربية، والدول الشقيقة والصديقة في المنطقة، أن السلام العادل والشامل خيار استراتيجي يتحقق في ظل الشرعية الدولية ويستوجب التزاماً مقابلاً تؤكده إسرائيل للجميع في هذا الصدد.
* لواء ركن طيار متقاعد