وصفته الخارجية الصينية بحوار الاحترام المتبادل، ووصفه بعض المراقبين بالحوار الهادئ والرصين، بينما وصفته وسائل إعلام مختلفة بالاتفاق المفاجئ.. والحقيقة أن الحوار السعودي الإيراني الذي أفضى إلى استئناف العلاقات خلال الشهرين القادمين كان حواراً حكيماً وليس مفاجئاً بل متوقعاً في خضم التحديات العالمية وسعي المملكة العربية السعودية الدؤوب نحو علاقات متميزة وبناء تحالفات مثمرة يسودها الاحترام وحسن الجوار والأمن والاستقرار لها ولجيرانها، حيث ما فتئت السعودية تتبنى نهجاً يستندُ في المقام الأول على تخفيف حدّة التوتُّرات، وإنهاء النزاعات، واستعادة الاستقرار للمنطقة وتصفير الخلافات.

فالمملكة تميل نحو السلام والحوار بديلاً لقطع العلاقات، كما جاء في تصريح وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان، فور صدور البيان المشترك: «إن استئناف العلاقات الدبلوماسية بين المملكة وإيران يأتي انطلاقًا من رؤية المملكة القائمة على تفضيل الحلول السياسية والحوار، وحرصها على تكريس ذلك في المنطقة، حيث يجمع دول المنطقة مصيرٌ واحد، وقواسم مشتركة تجعل من الضرورة أن نتشارك سوياً لبناء أنموذج للازدهار والاستقرار لتنعم به شعوبنا».

وقد سبق وصرح وزير الخارجية السعودي بذلك في 17 يناير 2023، خلال منتدى «دافوس»، موضحاً أن الحوار أفضل وسيلة لحل الخلافات في المنطقة: «إننا نحاول إقامة حوار مع جميع الأطراف». وتُعَد هذه الاتفاقية غايةً في الأهمية نظراً لتوقيع أبرز قوتين في الشرق الأوسط عليها (السعودية وإيران)، بعد سنوات من الجمود الدبلوماسي بينهما.

فبعد مساعٍ دبلوماسية مكثفة استطاع الجانبان السعودي والإيراني تجاوز 7 سنوات من قطع العلاقات بينهما، والتي مرت تاريخياً بفترات مماثلة لثلاث مرات في عام 1943، وعام 1987، ثم المرة الأخيرة عام 2016 بعد أحداث سفارة المملكة في طهران. وقد تم ترميم العلاقات عدة مرات أيضاً، لكن الجديدَ هو الوساطة الصينية وبرعاية شخصية من فخامة الرئيس الصيني الذي سعى بمبادرة ترمي إلى عودة العلاقات، وأقنع الطرفين بالانخراط في مباحثات بنّاءة وصادقة.

وقد أُطِّر الاتفاق بالتزامات قَبِلتها قيادةُ المملكة العربية السعودية وثمّنتها للجانب الصيني بجهوده الفاعلة في استضافة واحتضان المباحثات من أجل دعم مسار تصحيح العلاقات، لما للصين من مكانة خاصة لكلا الجانبين السعودي والإيراني، كصديق مشترك وكشريك تجاري رئيس، مما يعد ضامناً مهماً لجدية الاتفاق، ومما يجعله خطوة مهمة للصين للدخول في الترتيبات الدولية الكبرى وفض الخلافات وعقد الاتفاقيات الأمنية.

أما من ناحية توقيت الاتفاق وأهميته الكبيرة، فهو يأتي وسط تحديات سياسية تواجهها منطقة الشرق الأوسط، ويتسق كثيراً مع حراك التحالفات وتعزيز العلاقات الذي تتبناه المملكة، وبالأخص في مرحلة برود العلاقة مع الولايات المتحدة.

وتعي المملكة أهميةَ حل الخلافات وإقامة التحالفات وإنهاء الأزمات وكسب الصداقات وتقليص التباينات وسد الفراغات الإقليمية بسلمية تامة وبناء علاقات وطيدة قوامها الاحترام والأمن في هذا الوقت تحديداً الذي يمر فيه العالَمُ بمنزلقات خطيرة تهدد السلمَ العالمي وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط التي تعد حيويةً للسياسة والاقتصاد العالميين.

*كاتبة سعودية