الصادرات الثقافية.. الموجة الكورية
كان عام 2012 عاماً استثنائياً في تاريخ جمهورية كوريا، لقد كان عام «عولمة الثقافة الكورية»، حيث أصبح مئات الملايين في العالم يغنّون مع مطرب الراب الكوري «ساي» أغنيته «غانغام ستايل» التي صارت أشهر أغنية في الألفيّة الجديدة، بعد أن حققت أول مليار مشاهدة على موقع يوتيوب، ثم واصلت حتى دخلت المليار الرابع.
تتحدث الأغنية عن حيّ «غانغام» الثري في العاصمة سيؤول، والذي يمثّل أعلى صيحات التجميل والأناقة والإنفاق الباذخ، حتى أصبح هناك أسلوب حياة ينتسِب للحىّ الراقي يُسمّى «غانغام ستايل»، ثم تنتقد الأغنية هذا الاستعلاء الكبير الذي تعيشه الطبقة المترفة في هذا الحيّ. أصبح الحيّ مزاراً سياحياً، ثم ساهمت الموجة العالمية للثقافة الكورية في زيادة عدد السياح في البلاد. يُطلق مصطلح «الهاليو» على ظاهرة الانتشار الثقافي الكوري في جميع القارات، وقد اعتمد قاموس اكسفورد الكلمة التي تعني «التدفّق الكوري» أو «الموجة الكورية».
كان عام 1990 نقطة البداية في تخطيط «القوة الناعمة الكورية»، حيث أصبح الهدف تقديم كوريا كبلد للفنون والآداب، وكمنتِج عالمي للدراما والسينما والموسيقى والغناء. وتأسست لهذا الغرض «وكالة المحتوى الإبداعي» التي سرعان ما افتتحت فروعاً لها حول العالم. كان الطرح الفكري لهذه الخطة: نحن لسنا بلد سامسونج «وإل جي» و«هيونداي» فحسب، وبالطبع فإننا لسنا منطقة الحرب المحتملة والتوتر العالمي، نحن بلد الثقافة والإبداع، وسوف تروْن.
ولقد رأى العالم ما خططت له كوريا بالفعل، إذْ سرعان ما أصبح فريق «بي تي إس» الغنائي أحد أشهر الفرق في العالم، وحين أقام حفلاً في الرياض عام 2019 حضره (60) ألف شخص، وفي عام 2022 أصبح الفريق الأكثر مبيعاً للأغاني في العالم.
وحسب إحصاءات كورية، فقد ساهم هذا الفريق لموسيقى البوب وحده، في الاقتصاد الكوري بخمسة مليارات دولار! في عام 2020 حققت جمهورية كوريا إنجازين ثقافيين عملاقين، إذ أصبح فريق «بي تي إس» أول فريق يحتل المركز الأول في العالم، من خارج اللغة الإنجليزية، كما حصد الفيلم الكوري «باراسايت» جائزة الأوسكار، وهو أول فيلم غير ناطق بالإنجليزية يفوز بالجائزة.في عام 2022، حصد مسلسل «لعبة الحبار» أعلى مشاهدة على شبكة نتفليكس، حيث تجاوزت مشاهداته (100) مليون مشاهدة في الشهر الأول للعرض.
على نحو عام، وباستثناء مسلسل لعبة الحبار، فإن معظم الدراما الكورية ذات طابع عائلي محافظ، وهى تقدم ما تصفه بالقيم الكورية النبيلة. تقوم سيؤول بإنشاء مجمع ضخم للثقافة الكورية، بهدف جذب (20) مليون زائر سنوياً، وفي عام 2022 تجاوزت ميزانية وزارة الثقافة الكورية (6) مليارات دولار. في عام 2019، وصل حجم الصادرات الثقافية الكورية إلى (12) مليار دولار، وحسب الحكومة فإن (60%) من السياحة يعود إلى الانتشار الثقافي الكوري في العالم. وهكذا، بعد نجاحها في صادرات الشاشات والسيارات، تعود كوريا لتلهم بلادنا من جديد، بنموذج ناجح للصادرات الثقافية.
*كاتب مصري