قدّر البعضُ حجمَ سوق العملات المشفرة بـ 3 تريليون دولار فترة ازدهارها عام 2021، لتفقد بعدها 2 تريليون دولار ويصل مجمل الاستثمار في هذه العملات إلى أقل من تريليون دولار حالياً، وسط مخاوف بأن تفقد المزيدَ من قيمتها، حتى أن بعض العملات مثل «تيرا لونا» هبطت من 118 دولاراً إلى 0,09 دولار وسط مخاوف البعض من أن يفقدوا كامل استثمارهم فيها، حيث لجأ العديد من الطامحين الحالمين بثروة سريعة إلى سوق العملات التي شهدت انتعاشاً منقطعَ النظير، ليشهدوا أمام أعينهم تبخر أموالهم وسط كابوس مستمر لم ينته بعد.

فأسعار العملات الرقمية، مثل «البيتكوين» و«إيثيروم» و«الدوجكوين»، هبطت بشكل دراماتيكي وهوت إلى قاع سحيق، لكن تظل عملة البيتكوين محافظةً نسبياً على قيمة أعلى مما كانت عليه في بداية نهوضها عام 2020، وارتفعت من 5 آلاف دولار إلى 65 ألف دولار للعملة الواحدة، وهي الآن في حدود 26 ألف دولار، أي أن ما حدث لها لا يشابه الهبوط الضخم كما في حالة الدوجكوين وغيرها.

حقيقةً هناك رابط كبير بين انهيار العملات المشفرة وارتفاع سعر الفائدة في الولايات المتحدة، مع أن الانهيارَ ارتبط أيضاً بأسباب سياسية تتعلق بالحظر الذي فرضته دولٌ عدةٌ على هذه العملات، ومخاوف من استعمالها من جهات ومنظمات إرهابية أو إجرامية وحتى من دول تحاول التهرب من العقوبات المفروضة عليها.. كل ذلك أثَّر على العملات صعوداً وهبوطاً. ومؤخراً أدى انهيار البنوك في أميركا، خاصة بنك «سيلفرغيت» الذي يعد صديقاً لهذه العملات، إلى هزة كبيرة حيث كان يتم تسييل هذه العملات عبر هذا البنك.

لكن المفارقة هي أنه، وبعد سقوط مدو للعملات خلال أزمة البنوك، عادت هذه العملات لتلملم جراحها وتنطلق صعوداً مدعومة بتصريحات حول عدم زيادة أسعار الفائدة مؤخراً، ثم بدأ النظر لهذه العملات كملاذ آمن في ظل شائعات تشير إلى إمكانية إفلاس عدد من البنوك الأميركية، وكذلك تصريحات الرئيس جو بايدن الذي تعهد بتعويض خسائر المودعين في البنوك المفلسة.

موجات الذعر لدى المستثمرين في العملات المشفرة أصبحت بوتيرة أكبر من المعتاد، فمع كل خبر يتعلق بأسواق المال تشهد هذه العملات تذبذباً شديداً، حتى أن تغريدات على «تويتر» قد ترفع أو تخفض قيمة تلك العملات، كما كان يحدث سابقاً مع عملة دوجكوين التي وصلت إلى معدلات عالية مع تغريدات الدعم من المليونير الأميركي أيلون ماسك، والذي بمجرد إطلاقه مزحةً سلبية تجاهها عاد سعرها للهبوط بشكل كبير.

لكن يبدو أن ماسك، وبعد استحواذه على تويتر، توقف عن ذكر عملته المفضلة الدوجكوين، والنتيجة أن هذه العملة فقدت خلال فترة قصيرة قيمتَها لتقارب 0,07 دولار بعد أن كانت طموحات المستثمرين بأن تعادل الدولار الواحد. وهناك عوامل أخرى أثّرت على العملات الرقمية، هي الأزمات العالمية التي ليست في صالح هذه العملات التي تحب الانتعاش الاقتصادي وتَوافُر الأموال والسوق المفتوحة الحرة للتداول، وليس الأسواق المقيَّدة أو الهزات الاقتصادية، بحيث تصبح السندات والذهب الملاذ الآمن للثروات وليس العملات المشفّرة وغيرها من الاستثمارات الخطرة.

لذا ليس من المتوقع عودة هذه العملات إلى الانتعاش في الأمد القريب، فالمؤشرات تظهر أن الولايات المتحدة تبحث عن طرق فعالة لإيقاف التضخم والدخول في ركود اقتصادي طوعي، وهذا الأمر ليس في صالح العملات المشفرة. وفي ظل كل ذلك يبقى السؤال الملح لمقتني تلك العملات المشفرة: هل نبيع ما في حوزتنا ونخرج بخسائر مهولة لنحافظ على جزء بسيط من استثماراتنا، أم ننتظر ونحافظ على ممتلكاتنا من تلك العملات حتى عودتها إلى حالة الانتعاش مرة أخرى؟

*كاتب إماراتي