من المؤكد أن الإعلان عن الاتفاق السعودي- الإيراني، بوساطة الصين، على استئناف العلاقات الدبلوماسية وإعادة فتح سفارتي البلدين خلال شهرين، تطور بالغ الأهمية وإنجاز سياسي كبير، إقليمياً ودولياً، وخطوة مهمة في تعزيز الأمن والاستقرار الإقليمي والعالمي. لكن ما يعيشه العالم حالياً وخاصة بعد أزمة كورونا وتداعيات حرب أوكرانيا يجعل البعد الاقتصادي هو المحرك الأساسي للبعد السياسي.

فمن الجانب الإيراني التضخم المتسارع وتراجع قيمة العملة المحلية يشكّلان أولوية في مشروع موازنة السنة المالية 2023-2024، كذلك يعاني الاقتصاد الإيراني من ضغوط متزايدة، يعود جزء منه إلى العقوبات الجديدة التي تفرضها دول غربية على طهران، أما الجانب السعودي فمن العوامل المنهكة للاقتصاد السعودي حرب اليمن، لذلك من الذكاء التوصل إلى اتفاقية مع إيران لإنهاء هذه الحرب خاصة بوجود الضامن الصيني. إن أكثر ما جعل الصين مصدر ثقة ليس فقط في هذا الاتفاق، بل عموماً في المنطقة، هو أن علاقتها مع دول المنطقة تعتمد على هذه المبادئ: الاحترام المتبادل للسيادة ووحدة الأراضي، وعدم الاعتداء، وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، والمساواة والمنفعة المتبادلة، والتعايش السلمي، ودعم الدول العربية في التنمية التي تتناسب مع خصوصيتها.

فالصين تغلب عليها النزعة البراغماتية على حساب النزعة الأيديولوجية، وتغلب نزعة الحوار على نزعة المواجهة، وتعطي أولوية للجانب الاقتصادي، لكن بعد أن أصدرت الصين وثيقة «الموقف الصيني من حل الأزمة الأوكرانية سياسياً» والإعلان عن «الاتفاق السعودي الإيراني» يبدو أن الصين قررت أن تعطي اهتماماً أكبر للجانب السياسي والدبلوماسي.

وبالتالي الضمانة الصينية تعطي جدية للاتفاق السعودي-الإيراني، وستكون إيران على يقين أن أي إخلال بالاتفاق سوف يؤثر على علاقاتها مع بكين بشكل مباشر، وأن هذا الاتفاق سيخضع لاختبار خاصة في الملف اليمني، وإن لم يتحقق شيئاً فإن المسألة منتهية، ومن ثم بعد ذلك سيكون الاتفاق تحت الاختبار في التدخلات في شؤون المنطقة والتوسعات ودعم الميليشيات، ودور إيران في زعزعة أمن المنطقة، لا سيما أمن الممرات البحرية في مضيق هرمز وقناة السويس وباب المندب. ووجود الصين ضامناً للاتفاق أمر مرتبط بعلاقاتها القوية مع الطرفين وكذلك بمصالحها الاستراتيجية في المنطقة. إن سيناريوهات مستقبل الاتفاق السعودي الإيراني هي: أولا، عودة كاملة للعلاقات بين البلدين وتطبيع كامل، ثانياً، عودة العلاقات الدبلوماسية دون التطبيع الكامل للعلاقات، ثالثاً، التمثيل الدبلوماسي المحدود.

وكون الاتفاقية ما زالت تحت الاختبار، بعد مدة طويلة من المقاطعة وعدم الثقة، ففي الغالب السيناريو الثاني هو الأقرب للواقع إلى أن يتم تأكيد حسن النية والدخول في علاقات وتنسيق بين البلدين. ومع كل الشكوك والتحديات، فإن عودة العلاقات بين السعودية وإيران، وتصفير المشاكل في المنطقة، يصبان في مصلحة الجميع في المنطقة، خاصة مع وجود الكوارث الطبيعية، فضلاً عن الأوضاع الاقتصادية المتدهورة التي تعانيها دول المنطقة والعالم أجمع.

* باحثة سعودية في الإعلام السياسي