وسط عدة مخاوف من حدوث أزمة مصرفية عالمية،  شهدت العملات التي تعد ملاذات آمنة، مثل الدولار والين، إقبالا كبيراً في هذه الأيام، وذلك بعد انتقال تأثير انهيار بنك «سيليكون فالي» بأميركا عبر المحيط الأطلسي إلى بنك «كريدي سويس» بسويسرا. 
وقد أغلقت السلطات الأميركية «سيليكون فالي بنك» وفرضت عليه رقابتَها، إثر عجز المؤسسة المالية الكاليفورنية عن تلبية عمليات السحب الهائلة لعملائها، مما تسبب في ما يعد أكبر إفلاس مصرفي أميركي منذ الأزمة المالية للعام 2008 وثاني أكبر فشل لبنك من بنوك التجزئة في الولايات المتحدة.. وهو أمر أثار قلق الزبائن وطرح تساؤلات حول العواقب، كما تسبب في موجة ذعر في الأسواق العالمية. 
لم يكن بإمكان هذا المصرف تلبية عمليات السحب الكبيرة التي قام بها عملاؤه لأموالهم، والذين يشتغلون خصوصاً في مجال التكنولوجيا، كما لم تنجح محاولاته لزيادة رأس المال بسرعة، خصوصاً وأنه يشتغل في تمويل الشركات الناشئة. وهكذا آل الحال بالبنك الأميركي السادس عشر من حيث حجم الأصول، والذي كان في نهاية عام 2022 لديه أصول بقيمة 209 مليارات دولار وودائع تبلغ 175,4 مليار دولار. 
وبالطبع فإن أسواق المال العالمية لا تعجبها مثل هذه الأخبار، وقد أعادت المخاوف بشأن سلامة القطاع المصرفي عن بكرة أبيه، لا سيما مع الارتفاع السريع في أسعار الفائدة الذي أدى إلى انخفاض قيمة السندات في محافظهم ورفع تكلفة الائتمان، مما تسبب في خسارة أكبر أربعة مصارف أميركية 52 مليار دولار في سوق الأسهم، ثم تعثرت بعدها البنوكُ الآسيوية فالأوروبية. 
ممارسات الجشع والاحتيال، إضافة إلى غياب الشفافية والوضوح، كانت العامل الأول وراء الأزمة المالية لسنة 2008، وهي التي تسببت أيضاً في ما يقع اليوم. ومَن أراد أن يفقه حيثيات هذه القصص، عليه أن يشاهد فيلم The Wizgard of Lies، وهو يصور حدثاً فريداً يمكن أن نسميه أكبر عملية نصب تاريخية في دولة ديمقراطية متقدمة تعج بأدوات المراقبات المالية المتنوعة وبالقوانين الدقيقة، وأعني الولايات المتحدة الأميركية، فبطل عملية النصب هذه هو السيد برنارد مادوف الذي تم اعتقاله قبل أزيد من 15 عاماً عن طريق مكتب التحقيقات الفدرالي. وتعتبر عملية النصب تلك، والتي تدعى «سلسلة بونزي»، عملية تم فيها النصب بما يزيد على 50 مليار دولار، وجرت على عقود من الزمن، ولا أعرف في التاريخ البشري عملية نصب أكبر من هذه أو مثلها، حيث تمت على يد شخص واحد، وكتم احتيالاته حتى عن زوجته ناهيك عن ابنيه اللذين كانا يشتغلان عنده. وقد كان ممنوعاً على الابنين الوصولَ إلى الطابق 17، هذا الطابق الذي كان يشتغل فيه شياطين الإنس الذين يزورون ويسولون ويملون لكبار أغنياء العالم درب الاغتناء السريع والآمن. وفي الفيلم نرى أناساً يضعون في حسابات مادوف كلَّ ما يملكون، وبملايين الدولارات، ليجدوا أنفسَهم ذات يوم بدون دولار واحد! ومِن هؤلاء مَن انتحر.. إلخ. 

*أكاديمي مغربي