لم تكن ثمة خلافات بين سوريا وشقيقاتها من الدول العربية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، وحتى في أواخر القرن الماضي حين ظهرت مشكلة بين سوريا وتركيا بسبب لجوء عبد الله أوجلان إلى سوريا وتم حلها عبر خروج أوجلان من سوريا التي تمكنت من الحفاظ على علاقات هادئة مع تركيا نجم عنها اتفاق أضنة المعروف. وكانت سوريا تحتفظ بعلاقات متينة مع كل الدول العربية ما عدا العراق بعد أن أخفقت رؤى الوحدة التي اقترحها الرئيس البكر وقبِلَها حافظ الأسد ورفضها صدام حسين. وكانت علاقة سوريا مع المملكة العربية السعودية بخاصة في ذروة من القوة والصلابة، ولم تفتر حتى حين اتخذت سوريا موقفاً مختلفاً في الحرب العراقية الإيرانية. وأذكر حواراً طريفاً جرى بين حافظ الأسد ورفيق الحريري حين حمل الحريري رسالة من الملك فهد إلى حافظ الأسد في مضمونها التشاور حول اختيار رئيس لوزراء لبنان. ولم يكن الأسد آنذاك على معرفة وثيقة برجل الأعمال الحريري، لكنه أُعجب به وقال له: «لماذا لا تكون أنتَ رئيس وزراء لبنان؟ أراك تصلح لذلك». شعر الحريري بحرج وارتبك، وفوجئ الأسد بارتباكه، فقال الحريري: يشرفني ذلك، لكنني سأكون في وضع محرج. قال له الأسد: ما الذي يحرجك؟ قال: أخشى أن يَحدث خلافٌ بينكم وبين السعودية فأجد نفسي أمام موقف صعب، فأنا كما تعلمون مخلص للسعودية، وسأكون مخلصاً لكم، لاسيما أنكم تختارونني لهذا المنصب. قال له حافظ الأسد: «أطمئنك، لن يحدث أي خلاف بيننا وبين السعودية، ولن تتعرض لأي موقف يحرجك». وأروي هذا الحوار للتأكيد على عمق العلاقة بين سوريا والمملكة، رغم جفاء حدث بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003، وأذكر دوراً إيجابياً مهماً لعبته دولة الإمارات، دون ضجيج إعلامي، لإعادة الصلة المتينة بين سوريا والسعودية.
وكانت العلاقات السورية الإماراتية قد بلغت ذروة من التفاعل والانسجام والشعور الخالص بالأخوة، والإقبال على دعم الاستثمارات الدافعة للاقتصاد السوري، وقد تدافع رجال الأعمال السوريون المقيمون في الخليج مع أشقائهم الخليجيين لإنشاء مشاريع تنموية في سوريا، خلال سنوات العشرية الأولى من القرن الحالي، وكانوا يتجاوزون كثيراً من العقبات في حرصهم على دعم الشعب السوري، وعلى تحقيق تقدم اقتصادي شامل في سوريا.
في تلك السنوات لم تكن ثمة مشكلاتٌ لسوريا مع أشقائها العرب، وكل ما حدث من قطيعة جاء بعد تداعيات التظاهرات التي اندلعت في منتصف مارس 2011، وقد أخفق الدور العربي في إيجاد حلول سياسية تحقن الدماء، وفشلت مساعي البعثة العربية برئاسة الدابي، كما فشلت البعثة المشتركة بين الجامعة العربية وهيئة الأمم المتحدة برئاسة كوفي عنان، مع بقاء صلاحية الأسس التي وضعها عنان في النقاط الست التي اقترحها. وتوالت الأحداث، واضطرت الدول العربية أن تميل إلى تدويل القضية السورية، واتخذ مجلس الأمن سلسلة قرارات للحل السياسي ورسم خريطة طريق للحل في القرار 2254 بموافقة روسيا التي أسهمت في صنع هذا القرار الذي لم ينفذ إلى الآن.
وقد أوردتُ هذه المقدمة لأؤكد أن الخلافَ بين سوريا والدول العربية ليس خلافاً حول العلاقات الثنائية، وهذا ما يجعل عودة هذه العلاقات قوية ومتينة أمراً سهلاً، إنه خلاف سياسي حول معالجة الأزمة الداخلية السورية، وطريقة خلاص سوريا من المحنة التي واجهتها.
إن أهم ما ينبغي أن يقوم به الدور العربي هو العودة إلى حوار صادق وصريح يرمي إلى إنهاء الصراع واستعادة سوريا سيادتها على كامل ترابها، والإسهام في إعادة الإعمار، والتمهيد لعودة اللاجئين، وإطلاق سراح المعتقلين، وضمان الأمن للعائدين، وإعادة الممتلكات المصادرة، واستعادة الاستقرار في المنطقة كلها.

*وزير الثقافة السوري السابق