هذا العمود حفّزني عليه مقالٌ نُشر في الآونة الأخيرة بإحدى الصحف الإسرائيلية، كان قد طرح السؤال التالي: «هل يكره نتنياهو إسرائيل؟»، فقد وصف المقال السبل الكثيرة التي يحاول بها رئيس الوزراء الإسرائيلي إنقاذ نفسه من الملاحقات الجنائية من خلال تدمير الهيئة القضائية في البلاد.

وقدم نتنياهو ليحظى بالأغلبية المطلوبة في الكنيست لتأمين حصانته، تنازلات للأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة والأرثوذكسية المتطرفة، مما تسبب في قلق مجتمعي أدى بالبلاد إلى حالة شلل. وهذا الوصف لنتنياهو الذي يضع مصالحه الشخصية فوق مصلحة بلاده يشبه بشكل لافت للنظر سلوكيات ترامب منذ عام 2015، هو ما دفعني إلى طرح السؤال: «هل يكره دونالد ترامب أميركا؟». وقد يجيب أكثر أتباع ترامب حماسة له «بالطبع، يحب ترامب أميركا.

وسيجعل أميركا عظيمة مرة أخرى». لكن بعد فحص خطابه وأفعاله، يتساءل المرء بالضبط ما هي أميركا التي يتحدث عنها السيد ترامب. صحيح أنه ينتمي اسمياً للحزب «الجمهوري»، الذي يحتضنه، لكن من الواضح أن ترامب لا يشارك هذا الحزب التاريخي في احترام سيادة القانون أو مؤسسات الدولة. وأقام أحدث تجمع انتخابي له في «واكو» بولاية تكساس في الذكرى الثلاثين لإطلاق النار في «واكو» بين سلطات إنفاذ القانون الاتحادية وطوائف دينية مسلحة. وأصبح هذا الحدث سبباً مثيراً للميليشيات اليمينية المتطرفة في جميع أنحاء البلاد كمثال على تجاوز الحكومة. وبدأ حشد «واكو» بفيديو لمجموعة من الأشخاص الذين سجنوا لمشاركتهم في التمرد العنيف يوم السادس من يناير2021 في مبنى الكونجرس الأميركي.

وكان احتضان ترامب لذاك العصيان ورؤيته بأن منفذيها وطنيين كان واضحاً عندما بدأ تصريحاته في إشارة إلى المدانين قائلاً: «شعبنا يحب هؤلاء الناس». وكان لخطابه ثلاثة مكونات رئيسية تمثلت في تكرار مزاعم «الانتخابات المسروقة» لعام 2020، وانتقادات شديدة للتحقيقات، وأن التهم الموجهة إلى للمتمردين غير عادلة، وشعار «محاكم التفتيش»، الذي تؤكده لافتات «مطاردة الساحرات» المطبوعة في حملته الانتخابية، وتكرار للموضوعات المشؤومة التي سيطرت على خطاب المؤتمر الجمهوري لعام 2016.

وفي مهاجمته لخصومه السياسيين، استخدم ترامب خطابه العنيف المميز، واتهم «الديمقراطيين» بأنهم «مضطربون» و«خارج السيطرة»، وضالعون في «تزوير الانتخابات»، وأشار إلى أن «أكبر تهديد» للولايات المتحدة ليس روسيا أو الصين، لكن «وزارة اللا عدل» وسياسيي «الدولة العميقة». وأشار إلى المدعي العام في نيويورك الذي حقق معه واصفاً إياه بـ «مريض نفسي يكره الولايات المتحدة حقاً». وأعلن أنه إذا فاز في عام 2024، فإن «البلطجية والمجرمين الذين يفسدون نظامنا القضائي سيواجهون الهزيمة ويفقدون مصداقيتهم ويلحقهم الخزي التام».

ونطق ترامب في حملته بعبارات مروعة. وقال إن أميركا تتعرض للتهديد من «قوى شيطانية» تعمل على دفع البلاد إلى «هاوية انعدام القانون»، وحملته هي القوة الوحيدة القادرة على الخروج من هذه الهاوية وإنقاذ أميركا. وقال «لقد فعل خصومنا كل ما في وسعهم لسحق أرواحنا... لكنهم لم يفلحوا. لقد جعلونا أقوى فحسب وعام 2024 هو عام المعركة النهائية... أعيدوني إلى البيت الأبيض وستنتهي فترة حكمهم، وستكون أميركا دولة حرة مرة أخرى».

وتعود كلمات ترامب التي تربط بين نجاحه ونجاح أميركا إلى بداية حملته الرئاسية لعام 2016. وفي خطابه في المؤتمر لعام 2016، بعد أن وصف بعبارات قاتمة الشرور التي تواجه بلدنا، وكثير منها بمصطلحات عنصرية فيما يتعلق بالجريمة والهجرة والفقر والإسلام والإرهاب، وقال «أنا وحدي قادر على إصلاحها». ويستخدم ترامب، أكثر من معظم السياسيين، كلمة «نحن» للجماعة مثل: «سنجعل نحن أميركا عظيمة مرة أخرى»، لكن «نحن» عند ترامب هي بديل يشف عن الضمير«أنا».

ويعتبر ترامب التهديدات الموجهة إليه مثل خسارته عام 2020، والسياسيين المعارضين له من الحزب «الجمهوري»، ووسائل الإعلام، ومكتب التحقيقات الاتحادي، ووزارة العدل، والمحاكم، جميعها تمثل تهديدات تعارض جعل أميركا عظيمة. وفي الواقع، من السهل استنتاج أن دونالد ترامب لا يحب أميركا حقاً. ويكره مؤسساتها التي تهدده.

ويكره قيم البلاد التي تطمح إلى التسامح والتنوع والحرية للجميع. وما يحبه ترامب هو دونالد ترامب نفسه. وهو مثل نظيره الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، على استعداد لعقد أي صفقة ضرورية، مع أي شخص يدعمه، وحتى للتحريض على العنف لأن الشيء الوحيد المهم هو نجاحه.

*رئيس المعهد الأميركي العربي- واشنطن