خلال الأسابيع الأخيرة، أطلقت الصينُ حملةً دبلوماسيةً ترمي إلى تحسين وضعها كقوة عظمى مشاركة ومسؤولة، وإلى تأمين علاقاتها الاقتصادية القوية مع الكثير من البلدان عبر الكوكب. ولعل أبرز حدثين في هذا الصدد هما تَرؤسُها لاتفاق جديد بين إيران والسعودية من أجل استئناف العلاقات الدبلوماسية، وزيارةُ الرئيس شي جين بينغ لموسكو مدةَ ثلاثة أيام في محاولة لرعاية خطة سلام بين روسيا وأوكرانيا. 
وتحدو الصين دوافع قوية ليُنظر إليها باعتبارها قوة من أجل التعاون والسلام في عالم اليوم المحفوف بالمخاطر. وكانت الصين انتُقدت من طرف الغرب خلال السنوات الثلاث الماضية بسبب ما قيل إنه نقص في الشفافية من أجل التعاون في مواجهة وباء «كوفيد-19». كما يعرب جيرانها في آسيا، وهم حلفاء للولايات المتحدة، عن القلق من النزاع معها على جزر في بحر جنوب الصين وتذكيرها المستمر بأنها ستستخدم القوة، إن لزم الأمر، من أجل تحقيق إعادة توحيد تايوان مع البر الرئيسي. ونتيجة لذلك، استطاعت الولايات المتحدة تعزيز علاقاتها الأمنية مع بلدان آسيوية محورية في شرق وجنوب شرق آسيا مثل اليابان وكوريا الجنوبية والفلبين، بالإضافة إلى أستراليا. 
لكن مصدر القلق الفوري بالنسبة للصين هو الحرب التي تدور رحاها حالياً في أوكرانيا. ذلك أن الصين لديها علاقات جدية مع كل من أوكرانيا وروسيا، ولا تريد التضحية بمصالحها من خلال الانحياز بشكل أقوى مما ينبغي إلى روسيا التي يربطها بها تحالف أمني. ففي موسكو، أعاد الرئيس شي التأكيد على دعمه لروسيا، لكنه قدّم خطةَ سلام لإنهاء الحرب. واللافت أنه لم يقدّم أي وعود علنية بشأن تزويد روسيا بأسلحة أكثر إماتة، وهي خطوة كانت ستؤدي إلى عقوبات من قبل الغرب ضد بعض الشركات الصينية ذات الصلة. 
ومعظم المراقبين يرون أن الصين ليس لديها أي توقعات بشأن قبول روسيا أو أوكرانيا لخطتها المذكورة، لكنها تتوقع تحسن سمعتها بفضل هذه المحاولة، وأن تكون قادرةً في المستقبل على لعب دور وسيط جدي في اتفاق لإنهاء النزاع. والتحدي بالنسبة للصين هو في حال أدى استمرار إمدادات الأسلحة الغربية لأوكرانيا إلى مزيد من المصاعب العسكرية لروسيا. ففي هذه الظروف، قد تضطر الصين للتخلي عن سياستها الحالية. ولهذا، على الصين أن تقرر حجم الضغط الذي ينبغي ممارسته في حال اصطدمت مبادراتها الدبلوماسية بمصاعب. فحتى الآن، كانت الصين ناجحة على نحو مذهل في البقاء في وضع جيد مع معظم شركائها التجاريين في أوروبا والشرق الأوسط. وعلى سبيل المثال، فإن بكين تدعم علاقات دبلوماسية مع إسرائيل والفلسطينيين، وكذلك مع إيران ومجلس التعاون الخليجي. وبالمقابل، اصطدمت ببعض الصعوبات في أفريقيا، حيث تعرضت قروضها النقدية وممارستها التجارية للانتقاد. ولئن كانت تحافظ الصين على علاقات وثيقة مع باكستان، فإن النزاعات الحدودية مع الهند أدت إلى العنف. لكن مطالبتها بإصلاح النظام الدولي ومؤسساته التي تهيمن عليها الولايات المتحدة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية يهدِّد بخلق مواجهة مع الغرب. 
والمعضلة في هذه المنافسة الناشئة بين الولايات المتحدة والصين أن كلا الطرفين يعتمدان على التجارة مع بعضهما البعض من أجل تنمية اقتصاداتهما وتحقيق ازدهارها. لكن أزمة بسبب تايوان أو أوكرانيا يمكن أن تؤدي إلى اضطراب في التوازن الاقتصادي وإلى ركود عالمي. ولا شك في أن الصين تستطيع لعب دور إيجابي في تلافي مثل هذه النتيجة، «لكن الأمر سيتطلب دبلوماسية تصالحية» مقدامةً. 
والحكومة الأميركية واعية بأنه ينبغي عليها أيضاً أن تتوخى الحذرَ حتى لا تستفز الصين، خاصة بشأن تايوان. غير أن بايدن وفريقه يواجهان انتقادات متزايدة بسبب «تساهلهم مع الصين»، لا سيما من قبل من «الجمهوريين» الذين حالوا لسنوات دون أي تعاون مع الصين حتى عام 1972 حينما سافر الرئيس الجمهوري ريتشارد نيكسون إلى الصين إيذاناً بعقود من التعاون الأميركي الصيني. 

*مدير البرامج الاستراتيجية بمركز ناشيونال إنترست- واشنطن