توافق صندوق النقد والبنك الدوليين على ثلاثة تحديات كبرى، يواجه العالم مخاطر تداعياتها، وهي وباء «كوفيد-19»، والحرب في أوكرانيا، والتضخم المرتفع. ورسمت مديرة الصندوق كريستالينا جورجيفا صورةً متشائمةً بحديثها عن ارتفاع معدلات التضخم على نحو غير مسبوق، محذرةً من أن الاقتصاد العالمي يتجه نحو أضعف معدلات نموه منذ تسعينيات القرن الماضي، وقائلة إنه سيستمر على هذا النحو لمدة خمس سنوات. وأشارت إلى أن الحرب الروسية الأوكرانية أدت إلى انخفاض النمو العالمي خلال العام الماضي بمقدار النصف (من6.1% إلى 3.4%)، وتوقعت أن يسجل أقل من 3% خلال العام الحالي. وأضافت جورجيفا أن 90% من الاقتصادات المتقدمة ستشهد انخفاضات في معدل نموها، مع تضرر النشاط الاقتصادي في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو بسبب ارتفاع أسعار الفائدة.
أما البنك الدولي فقد حذَّر بدوره من «عقد ضائع» أمام النمو العالمي، حيث كان النمو المحتمل 3.5% خلال العقد(2000–2010) ثم انخفض إلى 2.6% سنويا (2011-2021) وسيتقلص إلى 2.2% (2022–2030). وأرجع البنكُ نصف التباطؤ الاقتصادي إلى أسباب ديموغرافية، مشيراً إلى ثلاثة عوامل تتمثل في شيخوخة القوة العاملة وضعف الاستثمار وتباطؤ الإنتاجية. ويحدث ذلك مع ارتفاع التضخم الذي أدى إلى ارتفاع أخطار حدوث ركود عالمي. 
وبما أن تداعيات التضخم كانت الأشد تأثيراً على ارتفاع أسعار المواد الغذائية، فقد أظهر أحدثُ تقرير للبنك الدولي حول «تزايد انعدام الأمن الغذائي في العالم»، أن لبنان احتل المرتبة الأولى في قائمة الدول الأكثر تضرراً من تضخم أسعار الغذاء بنسبة 139% سنوياً، ثم جاءت زيمبابوي في المرتبة الثانية (138%)، تليها الأرجنتين في المرتبة الثالثة (103%)، فإيران في المرتبة الرابعة (73%)، تليها تركيا في المرتبة الخامسة (69%)، فمصر في المرتبة السادسة (62%). 
وتختلف أسباب التضخم بين بلد وآخر وفق اختلاف طبيعة اقتصاده، ومدى اعتماده على الاستيراد لتأمين حاجاته. ولوحظ أن الدول الست التي تحتل المراتب الأولى، تتعرض لـ«تضخم نقدي» نتيجة تدهور سعر عملتها مقابل الدولار، والذي يتجاوز التضخمُ بسرعة حركة ارتفاعه، مع كل ما يتضمنه من مخاطر على القدرات الشرائية والأوضاع الاجتماعية. لذا تجب معالجة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى تدهور سعر الصرف، والتي يعود معظمها لضغوط سياسية واجتماعية، تساهم في حدوث حالات عدم استقرار مالي ونقدي. ومثال على ذلك ما يحصل في لبنان الذي خسر نقدُه الوطني 98% من قيمته.
وأكبر دليل على ذلك، أن الأسعار العالمية للمواد الغذائية لم ترتفع خلال العام الماضي، بل انخفضت بنسبة 20.5% مقارنةً بمستواها القياسي في مارس 2021، وفق ما تؤكده منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو). ويقول ماكسيمو توريرو، كبير الاقتصاديين في المنظمة، «إن الأسعار انخفضت على المستوى العالمي، لكنها ما تزال مرتفعة، وتستمر بالارتفاع في الأسواق المحلية، مما يفرض تحدياتٍ إضافيةً على الأمن الغذائي، حيث يتفاقم الوضعُ بسبب انخفاض قيمة العملات الوطنية مقابل الدولار أو اليورو وتزايد أعباء الديون».
ومع استمرار تأييد صندوق النقد والبنك الدوليين لخطة البنوك المركزية برفع الفائدة المصرفية لحين كبح التضخم، يلاحظ أن ثمة تساؤلات حول فاعلية السياسة النقدية التي واجهت انتقادات لرفعها أسعارَ الفائدة، ويرى البنك ضرورة محاربة ضغوط الأسعار الكامنة في الأجور وارتفاع أسعار الخدمات. وهكذا يلتقي مع اليابان التي تسلك طريقاً مختلفاً عن سائر الدول الرأسمالية الغربية، إذ يعتبر رئيس الحكومة الياباني فيميو كيشيدا أن «جوهر الدورة الاقتصادية يكمن في نمو الأجور» وهو يدعو إلى «زيادات في الأجور تتغلب على التضخم».

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية