ترتبط علاقة الفلسفة بالعلم بمقولة شهيرة تزعم أن «الفلسفة أم العلوم»، يقصد أصحاب القولة إن كل العلوم إنما نشأت في رحم الفلسفة، هناك تخلّقت ثم تشعّبت واستقلّت، لكنها ظلّت وفية لأصلها. والمطّلع على تصنيفات العلوم القديمة يجد العلوم حاضرة في جبّة الفلسفة، وكتاب «إحصاء العلوم» للمعلم الثّاني شاهد فريد على هذا الزعم. 
لكن إذا كان هذا الأمر ينطبق على كثير من العلوم، فإنه لا ينطبق على الرياضيات، أو علوم التعاليم كما سمّاها القدامى، فهذا الضّرب من المعرفة العلمية نشأ بجانب الفلسفة وليس داخلها، وشفّ فيه فيثاغورس، واعتبره أفلاطون شرطا لتعلم الفلسفة، بل اعتبرت الرياضيات في كثير من الأحيان نموذجا للفلسفة، كما نجد مع أفلاطون، ثم لاحقا مع اسبينوزا وديكارت.
وقد ظلت هذه الصّلة بين الفلسفة والعلم قوية حتى أعلن إيمانويل كنط انفصالهما في كتابه «نقد العقل المحض»، ففي هذا الكتاب طرح سؤاله الشهير لم تقدم العلم وفشلت الميتافيزيقا؟ ليجيب أن فشل الميتافيزيقا سببه حرصها على معرفة الموضوعات المتعالية بمناهج أدوات العلم، في حين أنها لا تستجيب لذلك، لذا يجب أن يقتصر العلم على أخذ المعرفة عن الحساسية والفهم، وتخرج موضوعات الميتافيزيقا من سياق الفكر النظري إلى سياق العقل العملي، وهو موضوع كتابه «نقد العقل العملي».
حاولت الفلسفة الوضعية أن تعمّق هذا الفصل، حتى أصبحت الفلسفة مع أوجست كونت مرحلة من مراحل التّفكير الإنساني الخوالي، وأصبحت الميتافيزيقا مع الوضعية المنطقية خرافة، وقول لا معنى له، ونُودِي بإحلال العلم محلّ الفلسفة، لأن القول العلمي تصدقه التّجربة في حين أن الميتافيزيقا تخذلها الحواسُّ. 
لكن هل دمغ التّمييز الكنطي والوضعي فعلا علاقة الفلسفة بالعلم بالانفصال؟ 
كانت الفلسفة والعلم عبر تاريخهما الطويل، ولا تزالان، تتبادلان التّعاون العلمي، حيث تُنتج الفلسفةُ إشكالات يبادر العلماء إلى حلّها، ويُنتج العلم إشكالات تُهْرَعُ الفلسفةُ إلى تقديم أجوبة حولها، فكان هذا التّعاون المبدع بين الفلسفة والعلم عاملاً حاسماً في تطوّر الفكر النظري، واليوم أصبحت الفلسفة، من خلال علاقة النظرية بالتجربة، لُحمةَ العلم وملاكَه.
لكن الفلسفة ليست أمّا لكل العلوم، فهي أمٌّ للعلوم العقلية فقط، من منطق ورياضيات وطبيعيات وإلهيات وأخلاق وسياسة، لكن توجد علوم أخرى لم تنبع من الفلسفة، وهي التي سمّاها ابن خلدون بــ «العلوم النّقلية الوضعية»، والتي كان أصلها القرآن، فحوْل القرآن تشكّلت العلوم الإسلامية الشهيرة من علم تفسير، وعلوم قرآن، وعلم حديث، وفقه، وعلم أصول فقه، وعلم كلام، بل وتصوف، وعلوم العربية، وعلم الملائكة الذي أحدثه السّهروردي. ورغم بُعْدِ أكثر هذه العلوم عن الفلسفة فإن انتشار الفلسفة في المدينة الإسلامية مسَّ بعضها بتأثيره فأينعت وأبدع فيها علماء الإسلام، خاصة فيما يتعلق الأمر بعلم أصول الفقه وعلم الكلام مع الغزالي والرازي، وعلم التصوف مع ابن عربي، وعلم التّفسير مع «مفاتح الغيب» للرازي، وكذا علوم العربية؛ وفي الكتاب لسيبويه، ودلائل عبد القاهر، وفي منهج البلغاء لحازم، بعض معالم من هذا الأثر.
لقد ظلت الفلسفةُ والعلم تتبادلان التأثير، وتُسْهِمان في حوار مبدع لعمارة الأرض الخراب، فكان لتعاونهما المثمر دور كبير في تسريع وتيرة العمارة، حتى أضحتْ أرضُ الأجداد الواسعة، بفضل هذا التعاون الخلاق بين الفلسفة والعلم، أشبهَ بقرية صغيرة تضجّ بالتحضّر.
*مدير مركز الدراسات الفلسفية بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية