أعلن جهاد أزعور مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في صندوق النقد الدولي، أن «الصندوق مستمر في دعم تونس، وهو ينتظر طلباً من السلطات التونسية لإعادة النظر في برنامج الإصلاحات». لكن تونس، على ما يبدو، متمسكة بموقفها وبأن ملفَّها مع الصندوق وصل إلى طريق مسدود، وفق ما أعلنه الناطق الرسمي باسم هيئة مسار 25 يوليو محمود بن مبروك، بعد أن رفض الرئيس التونسي قيس سعيد «شروط الصندوق وإملاءاته، والتي تؤدي إلى تفقير الشعب وتهديد السلم الاجتماعي»، على حد قوله. وأكد بن مبروك توجه تونس نحو خيارات أخرى، بينها الانضمام لمجموعة «بريكس»، ووصفها بأنها تمثل بديلا مناسباً، ويفتح الانضمام إليها «آفاقاً اقتصادية ويدفع عجلة النمو، خصوصاً أن هذا التكتل الاقتصادي يهدف إلى تحقيق مصالح استراتيجية مشتركة».
لقد مرت على تونس يوم 20 مارس الماضي ذكرى استقلالها الـ67 وسط تباينات وخلافات متنوعة. وإذا كان الاقتصاد التونسي قد سجل انكماشاً منذ عام 2021 متأثراً بتداعيات جائحة كورونا، فهو يواجه الآن تداعيات «الخلاف السياسي الداخلي»، أو ما سماه الرئيس سعيد «جائحة سياسية».
لكن هل تستطيع تونس أن تحصل من وراء انضمامها إلى «بريكس» ما لم يوفره لها صندوق النقد الدولي؟ الواقع أن ردود الفعل جاءت متباينه، ففي الوقت الذي رحبت فيه الصين في إطار نهجها القائم على التعاون مع الدول النامية والمساهمة في توسيع عضوية التكتل.. برزت مواقف فرنسية وإيطالية مؤيدة لاستمرار مفاوضات تونس مع الصندوق بغية الحصول على قرض بقيمة 1.9 مليار دولار، تنفيذاً للموافقة المبدئية عليه، مع العلم أن معظم تجارة تونس ومصالحها الاقتصادية تتم مع دول الاتحاد الأوروبي، إضافة إلى مشاريع استثمارية مشتركة. 

ويأتي هذان الموقفان في سياق اشتداد التنافس بين أكبر تكتلين اقتصاديين في العالم، مع تفاقم تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية، خاصة أن تكتل «بريكس» يضم روسيا والصين والهند والبرازيل وجنوب أفريقيا. أما التكتل الثاني فيضم الدولَ الصناعية السبع بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى ألمانيا وكندا وفرنسا وإيطاليا واليابان والمملكة المتحدة. 

ويعمل كل تكتل على إضعاف التكتل الآخر. وفي ميزان القوى، بلغت حصة «بريكس» في الاقتصاد العالمي 31.5%، وهي لأول مرة تتجاوز حصة مجموعة الدول السبع الكبرى التي بلغت 30.7%، وذلك وفق أحدث مؤشر نقلته مجلة «فوربس» عن معهد «أكورن ماكرو» البريطاني للاستشارات.
وإضافة إلى تونس، هناك دول عدة ترغب في التعاون مع مجموعة «بريكس»، بينها إيران والجزائر والأرجنتين والمكسيك. لكن الانضمام إلى هذه المجموعة ونيل عضويتها يتطلب مقومات محددة، إذ تضم بريكس دولا صاعدةً حققت معدلات نمو مرتفعة، ولديها الرغبة في قطع هيمنة الدولار، وبناء عالم جديد متعدد الأقطاب، إلا أنه يمكن أن تستفيد الدول الراغبة في التعاون من قروض البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، ويبلغ رأسماله 50 مليار دولار، وهو تابع لدول «بريكس» الخمس، لكنه يتعاون مع أكثر من 50 دولة نامية، ويمكن أن تستفيد منه تونس حيث يصبح وضعها مثل مصر التي تتعاون مع صندوق النقد وحصلت منه على نحو 20 مليار دولار، وكذلك استفادت من تعاونها مع البنك الآسيوي بما لا يقل عن مليار دولار، وهي تشغل حالياً منصب عضو محافظ في مجلس محافظي البنك. 

*كاتب لبناني متخصص في الشؤون الاقتصادية