أعلن الرئيس الأميركي جو بايدن، يوم الثلاثاء الماضي، عبر مقطع فيديو، اعتزامه الترشحَ لولاية رئاسية ثانية في انتخابات نوفمبر 2024. الخبر لم يشكّل مفاجأةً، ولم يكن مصحوباً بإثارة أو حماس.. ذلك أن أغلبية «الديمقراطيين» كانت ستفضل مرشحاً أصغر سناً من بايدن. وفي حالة فوز هذا الأخير في الانتخابات القادمة، فإن سنه في نهاية ولايته الرئاسية الثانية ستكون 86 عاماً. وتُظهر استطلاعات الرأي الحديثة أن 42 في المئة من الأميركيين لديهم رأي إيجابي حول بايدن، بينما يعبِّر 54 في المئة منهم عن عدم رضاهم عن أدائه الحالي. لكن الحقيقة هي أن بايدن هو المرشح الوحيد القادر على الفوز ما لم يتعرّض لظرف صحي طارئ. 
بدأ مسار بايدن في السياسة في سن التاسعة والعشرين حين فاز في نوفمبر 1972 بمقعد في مجلس الشيوخ عن ولاية ديلاوير بـ3162 صوتاً. وأُعيد انتخابه لعضوية مجلس الشيوخ سبع مرات. ثم فاز بمنصب نائب الرئيس في عهد باراك أوباما في عام 2008 ثم في عام 2012. ولا شك في أن السنوات الإحدى والخمسين التي أمضاها في مناصب عليا تمدّه بالمهارات والخبرات اللازمة وتؤهله للفوز من جديد في عام 2024. والأرجح أن تيمة حملته الانتخابية ستقوم على فكرة أنه «ينجز الأشياء» وأن الديمقراطية الأميركية تواجه تهديداتٍ وجوديةً من الأجندة «الجمهورية» المتطرفة. ويأمل أنصارُه أن يكون دونالد ترامب خصمه في هذه الانتخابات، على اعتبار أنه سبق له أن تغلّب عليه مِن قبل، أولاً عبر مساعدة «الديمقراطيين» على الفوز بالسيطرة على مجلس النواب في انتخابات 2018 النصفية، ولاحقاً في انتخابات 2020 الرئاسية التي ما زال ترامب يزعم أنها «زُورت».
لكن، ما هي فرص بايدن؟ الواقع أن بايدن ما زال متقدماً على ترامب على اعتبار أن تقييمات ترامب السلبية في استطلاعات الرأي الوطنية أسوء من تقييماته. وعلاوة على ذلك، فإنه يمتلك ميزةَ وضع الرئيس المنتهية ولايته، ما يعني أنه يستطيع تسخيرَ كل صلاحيات الرئاسية واستخدامها للوصول إلى الجمهور وشرح مواقفه ووجهات نظره. كما يمكنه أن يمنّي النفسَ بأنه في حال أصبح ترامب المرشحَ الجمهوري فإن الجمهوريين الذين تعهدوا بالامتناع عن دعم ترامب سيعبّرون عن معارضتهم القوية له.
وإضافة إلى افتقار ترامب للشعبية وسلسلة التحديات القضائية التي يواجهها، يعوِّل الديمقراطيون على رد الفعل المعارض للمواضيع المتطرفة التي يدعمها الجمهوريون. وعلى سبيل المثال، فإن حق المرأة في الاختيار بشأن الإبقاء على حملها من عدمه أصبح محل شك نتيجة الجهود الجمهورية الرامية إلى فرض قيود صارمة على ما إن كان إجهاض الجنين قانونياً، ومتى يكون كذلك! قرارُ الأغلبية المحافظة في المحكمة العليا الأميركية إحالةَ القضايا القانونية بشأن الإجهاض إلى الولايات للبتِّ فيها، ساعد الولايات التي يسيطر عليها الجمهوريون على تمرير قوانين تقييدية جديدة، لكن أغلبية البلاد لا توافق على ذلك، وخاصة النساء. وقد أظهرت انتخابات الولايات الأخيرة أن الديمقراطيين يستطيعون استخدام هذا الموضوع لتعبئة المؤيدين. 
وبالمثل، إذا كان الجمهوريون ما زالوا يعارضون فرضَ قيودٍ جديدة على حيازة الأسلحة النارية، فإن معضلة حوادث إطلاق النار الجماعي والقتل الجماعي في البلاد أثارت غضب كثير من الشباب الذين يرون أن سلطة لوبي الأسلحة أكبر مما ينبغي ويجب كبحها. وبالمثل، فإن امتناعَ كثير من الجمهوريين عن الاعتراف بأن تغير المناخ حقيقة يمدُّ الديمقراطيين بذخيرة قوية لتعبئة الناخبين الشباب الذين لا يعترفون بتهديدات تغير المناخ فحسب ولكنهم أنفسهم الأشخاص الذين سيتحملون عبء التعاطي مع عواقبه على المدى البعيد. 
وللتصدي لهذه التهم، سيثير الجمهوريون الكثيرَ من المواضيع التي يعتقدون أنها حدثت بسبب سياسات اليسار مثل العنف والتشرد في المدن الكبيرة، وفوضى الهجرة على الحدود الجنوبية للولايات المتحدة، والنقاش حول قضايا النوع. وخلاصة القول هي أنه إذا كان الاقتصاد الأميركي في حالة ركود، والحرب في أوكرانيا مستمرة، والصين ما زالت تشكّل منافساً متنامي القوة.. فإن الجمهوريين سيكونون قادرين على التغلب على بايدن. أما إذا كان الاقتصاد مستقراً والمشهد الدولي أقل خطورةً، فإن بايدن سيكون مرشحاً قوياً. 

*مدير «البرامج الاستراتيجية» بمركز ناشيونال إنترست- واشنطن