خلال استقباله في الأيام القليلة الماضية، وفداً متعدد الأديان من الناشطين في نشر الوعي بالبيئة، من مدينة مانشستر، كان البابا فرنسيس يشدد على حاجة العالم إلى سياسات بعيدة النظر، وإلى ما يطلق عليه دوماً الارتداد الإيكولوجي. ما الذي يعنيه هذا التعبير أول الأمر؟ يعني باختصار التوقف عن إلحاق الضرر بالبيئة، والعمل سريعاً وبكل السبل الممكنة لمداواة جراح فتحها الإنسان، في جسد الطبيعة من حولنا براً وبحراً وجواً.
يحمل لنا تاريخ الأحبار الرومانيين في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى الساعة، اهتماماً واضحاً بالطبيعة وبمناخ الكرة الأرضية، غير أن علاقة فرنسيس بالبيئة متميزة للغاية منذ بدايات حبريته، سيما أن أول توجيه أو رسالة بابوية له كان عنوانها «كن مسبحاً»، وتحمل دفعا للبشرية لاستنقاذ كوكبنا الأزرق.
على مقربة من مؤتمر المناخ العالمي، «كوب 28»، والذي ستجري فعالياته في دولة الإمارات العربية المتحدة، يؤكد البابا فرنسيس على حتمية بذل كل الجهود الممكنة من أجل حماية الخليقة التي هي عطية من الله تعالى، للوصول إلى رؤية مفاهيمية لتعزيز إيكولوجيا متكاملة تحترم كرامة وقيمة كل شخص، كما تدرك التبعات المأساوية لتردي البيئة على حياة الفقراء، أي الترابط بين الأزمتين البيئية والاجتماعية.
الذين يتابعون تصريحات بابا الكنيسة الكاثوليكية، يدركون صدق كلامه من جراء تطابقها مع حالة الطقس العالمي، والتي تتجلى هذه الأيام في موجات الحرارة الآسيوية القاتلة التي تتعرض لها أجزاء واسعة من جنوب قارة آسيا، انعكس تأثيرها على أكثر من 12 دولة من بينها الهند والصين وما جاورهما، وقد بلغت درجة الحرارة في بعض تلك البلدان نحو 45 درجة مئوية، مع توقعات بالاستمرار. 
صرخة البابا فرنسيس في رسالته الحَبرية «كن مسبحاً» تؤسس لإشكالية «الإفراط في المركزية الإنثروبية»، فالكائن البشري في حاضرات أيامنا لم يعد يعرف مكانته الصحيحة في هذا العالم، وبات يتخذ مواقف تدور حول نفسه، يتمحور من حولها حصرياً، وعلى سلطته يعتمد، ويتمخض عن هذا منطق «استعمل وألق». يسوغ إنسان العصر الحديث كل نوع من أنواع الإقصاء، بيئياً كان أم بشرياً، ويعامل الآخر والطبيعة بوصفها مجرد سلع، ويقود إلى أشكال كثيرة من الهيمنة.
يخطئ مواطننا العالمي إنْ تصور أن الطبيعة جامدة صماء، لا تتفاعل معه بالإيجاب أو السلب، وما ظاهرة الاحتباس الحراري إلا نوع من أنواع ردة الفعل الطبيعية الغاضبة من كوكب يشعر بالألم ويئن من تحت المهانة.
في الطريق إلى «كوب»28 في الإمارات، يطالب البابا فرنسيس وراء جدران الفاتيكان بتأسيس نماذج اقتصادية جديدة وبعيدة النظر، ويسأل أصحاب النوايا الصالحة العمل على بلورة رؤية ثقافية تتجاوز حدود الإقصاء، وتباعد بينها وبين المفاهيم الاستهلاكية المجردة، والتي لا تبالي بالآخر وتعوق الجهود الساعية لمواجهة التطورات المناخية المخيفة، من منطلق الخير العام.
مهما يكن من أمر، فإن الحالة المتردية التي وصلت إليها شؤون المناخ حول الكرة الأرضية، الأمر الذي بات يهدد الكوكب وسكانه بكوارث أشد هولًا من القنابل الذرية، تجعل من مؤتمر «كوب28» في الإمارات فرصة قبل أخيرة للفكاك من أهوال المناخ القائم والقادم.
فالاحتباس الحراري، على سبيل المثال، سوف يقود حكما إلى هلاك العالم عبر ذوبان القطبين الجليديين، وحدوث موجات البحار والمحيطات الهادرة المعروفة باسم «تسونامي»، تلك التي تقضي على كل ما في طريقها، ثم اختفاء اليابسة التي ستغمرها المياه، وذلك كله من فعل الإنسان المتكالب على الصناعات الحديثة التي تولِّد «ثاني أكسيد الكربون»، والمؤلم حتى الحزن وجود جماعات ضغط تدعم تلك الصناعات بهدف تعظيم أرباحها، ولا يهمها مآل الكوكب والإنسان.
*كاتب مصري