د. علي القحيص* تحديات صعبة تواجه الشعب السوداني الشقيق جراء التوترات الأخيرة التي دخلت أسبوعها الثالث، وباتت تهدد الاستقرار في هذا البلد الذي عاني من اضطراب سياسي شديد منذ عام 2018. وازدادت حالة الاضطراب مع غياب أفق التسوية بين القوتين المتصارعتين، ومع اضطراب الهدنة التي تتحدد لكن سرعان ما يتم انتهاكها لتستمر حالة الاقتتال الداخلي بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع.

الخدمات الطبية اضطربت ونزح آلاف السودانيين من العاصمة الخرطوم، وحذرت وكالة غوث اللاجئين من موجة نزوح تصل لقرابة 800 ألف نازح، ما يفاقم العبء على الدول المجاورة، خاصة تشاد وجنوب السودان. وكل ذلك بسبب حالة الفوضى والانفلات الأمني جراء الحرب الدائرة بين الأطراف السودانية المتقاتلة، والتي توشك أن تزج بالبلاد في أتون صراع يحرق الأخضر واليابس، حيث دخلت المعارك أسبوعها الثالث بين قوات الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، في ما يشبه «معركة كسر عظم».

والخشية كل الخشية من أن تتوسع الحرب لتشمل مختلف أقاليم السودان وتتحول إلى حرب أهلية طاحنة بين الشعب السوداني الواحد، كما أن ثمة مخاوف جوستراتيجية من أن يتحول السودان إلى فوهة بركان إقليمي يحرق المنطقة. وتتزايد المخاوف من أن يتسبب شلل النشاط الاقتصادي في حدوث مجاعة، وأن يؤدي انهيار المنظومة الصحية إلى انتشار الأمراض والأوبئة، لاسيما بعد ترك الجثث للتعفن والتحلل في الشوارع والطرقات.

وإذا لم تتدخل الدول العربية لفك الاشتباك في هذا البلد العربي الذي عانى الأمرّين من الانقلابات والتوترات العرقية خاصة في دارفور على مدى عقود، فإنه مقبل على كارثة شاملة يصعب أن يخرج منها بكامل تماسكه. وسبق للسودان أن عانى من الحرب الأهلية لعقود، وتحمل معاناة الحصار الخارجي والعقوبات الدولية التي أنهكته، قبل أن تأتي الطامة الكبرى الحالية متمثلةً في الحرب بين طرفي قواته المسلحة.

ولا يمكن للمنتصر في هذه الحرب العبثية المدمرة إلا أن يكون خاسراً، إذ هي حرب يدفع الشعبُ السوداني فاتورتَها دون أن يكون له أي دور أصلا في إشعالها. والخوف كل الخوف من انزلاق السودان نحو حرب أهلية عرقية طويلة المدى، وسط دوامة من الصراعات الداخلية والانقلابات العسكرية والعقوبات الخارجية، في بلد كان يعَدُّ «سلة غداء العالم العربي»، لوفرة مياهه العذبة الكثيرة وكثرة أراضية الطينية الخصبة الشاسعة. لكن السودان، بثرواته الطبيعية والبشرية الهائلة، حوّله الطامعون في السلطة والحكم إلى ساحات حرب تأتي على الأخضر واليابس.

وفي ظل المواجهات الحالية تحولت العاصمة المثلثة إلى ساحة حرب مليئة بالمتاريس العسكرية وخنادق القتال، تعطلت فيها الخدمات العامة وأُغلقت المحال والأسواق وتوقفت إمدادات الماء والكهرباء.. خصوصاً بعد إجلاء رعايا الدول الأخرى وإغلاق السفارات والبعثات الدبلوماسية في الخرطوم.. حيث تخلى الجميع عن السودان وتركوه وحيداً يصارع الموت! ولم يعد هذا البلد العربي الجريح سلةَ غذاء للبشر وسط أصوات البنادق والمدافع وقصف الطيران.. فعسى أن تتداركه رحمة الله وألا يلتحق بدول «الربيع العربي» التي حوّل القتالُ مدنَها إلى أطلال من الخراب والدمار، واضطر سكانها للهرب نازحين ولاجئين!

* كاتب سعودي