هل استراتيجية ميكانيكا الكم الوطنية (National Quantum Strategy) ضرورة وطنية لجعل الدول قوة عظمى في مجال العلوم والتكنولوجيا وصناعة الحوسبة الكمومية؟ الجواب: نعم! وهنا نتساءل: كم دولة في هذا الجزء من العالم لديها تلك الاستراتيجية إلى جانب الهند وإسرائيل؟ يوجد في العالم 15 دولة تمتلك تلك الاستراتيجية المهمة في صناعة المستقبل، والبدائل الإبداعية للثروات الذكية والاستثمار في العقول غير التقليدية ومسح ما وراء الآفاق، وهو التعيين والتشكيل الأهم في الحكومات لتخطّي حاجز وهمي يمكن للعلم دائماً المرور من خلاله في الواقع، أو يُظهر حاجزاً حقيقياً لا يمكننا اختراقه إلّا في خيالنا، وآفاقاً جديدة تتطلب أن ندرك أن المعرفة المحدودة لدينا تتطلب تواضعاً غير محدود للقراءة بين السطور المعرفية وما هو خلف تلك السطور، وخاصةً السطور التي لم تكتب بعد، وذلك إذا أدركنا أن ميكانيكا الكم هي فيزياء صغيرة جداً ومجال يسعى للتنبؤ بسلوك الذرات والجزيئات وشرحها، ويتضمن التلاعب والتحكم في الأنظمة على المستويين الذري و«دون الذري». 
فنظرية الكم غامضة، والسمات الميكانيكية الكمومية للأشياء مثل التشابك والتمييز والعشوائية هي موارد وليست قيوداً، وقد ابتكر من خلالها المخترعون جميع أنواع الأجهزة المتقدمة للغاية مثل الليزر والرقائق الدقيقة، وهي في الحقيقة كانت مجرد بداية للاستخدام المتزايد للظواهر الكمومية في الاتصالات وأنظمة الحساب والحاسوب التي تتمتع بقوة لا يمكن فهمها من وجهة النظر الكلاسيكية، وبالتالي اكتشاف طرق جديدة لتسخير الطبيعة وحتى لخلق المعرفة.
ويكمن التحدي في أننا بحاجة إلى تحليل التشابك من منظور بعض النظريات العامة وغير المعروفة حتى الآن دون استخدام رياضيات نظرية الكم، وهل يمكننا فعل ذلك من خلال دراسة نظريات الاحتمالية العامة بدلاً من نظرية الكم؟ مما يسمح لنا بفحص كيفية معالجة المعلومات بطريقة تجريدية كلاسيكية وكمية وأنظمة «ما وراء الكم»، ولمواجهة كل تلك التعقيدات تحتاج الدول إلى استراتيجيات الكم الوطنية (NQS) لضمان بقائها على طريق الابتكار الكمي والريادة فيه، وإيجاد حلول جديدة وابتكارات جديدة لبناء قطاع الكم، وخاصةً إذا ما ترجمت البحوث إلى منتجات وخدمات تجارية وصناعية وخدمية قابلة للتطوير، والتي تتطلب بدورها بناء وتعزيز النظام الإيكولوجي الكمي.
وما تطرحه تطبيقات الذكاء الاصطناعي اليوم يشير إلى أننا في خط سباق مختلف تماماً، وليس فقط أننا لسنا في السباق برمته! وأتساءل: كم عدد الجامعات والمعاهد والكليات التي تدرّس طلاب الدراسات العليا في التخصصات ذات الصلة بالكم والمعيار العالمي للتنظيم الكمي؟ وهل لدينا برامج دعم وتسويق الشركات الناشئة الكمومية وتعزيز المواهب الكمومية وتمويل المنح الدراسية لتنمية صناعة الحوسبة الكمومية؟ وذلك كتمهيد لإنشاء قوة عاملة كمومية رائدة على مستوى العالم، ولكي يحدث ذلك فلا بدّ من أن نعيد النظر في المواد التي ندرّسها في مدارسنا، والعراقيل التي تحد من حدوث ثورة تعليمية تحويلية شاملة لا تزال قائمة! 

وينبغي تحويل التكنولوجيا المثيرة للحوسبة الكمومية إلى صناعة مزدهرة، وإدراك أن التقنيات الكمية ستصبح صناعة بمئات المليارات من الدولارات في العقدين المقبلين، وستكون مهمة لكل القطاعات دون استثناء من اقتصادية وصحية وصناعية وعسكرية..إلخ، فالمستقبل يصنعه من يجرؤ على المغامرة والعمل في الأمور العظيمة التي يستخفّ بها الآخرون، ومثلما تحتاج الدول لوزراء ومدراء عموم تنفيذيين لإنجاز الأعمال، تحتاج أيضاً لمفكرين ومنظّرين ومستشارين وطنيين غير مؤدلجين، وإن كانوا من خارج دوائر التحزبات والتزكيات، وكذلك الحال في وجود مراكز بحوث لا تعمل على البحوث التسويقية والظهور الإعلامي أكثر من المنتجات التي تؤثر على المسار الاستراتيجي، وليس لها دور حقيقي في توجيه ودعم الرؤى الاستراتيجية الوطنية التي لا يراها العقل التنفيذي.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات