انفض الاجتماع التاريخي لوزراء الخارجية العرب في القاهرة يوم الأحد الماضي (7 مايو 2023) بقرار أنهى غياب سوريا عن جامعة الدول العربية، وهو غياب دام 12 عاماً. وقد جاء في بيان الجامعة، الصادر الأحد الماضي، أن وزراء الخارجية العرب تبنوا رسمياً قراراً ينص على عودة سوريا لشغل مقعدها في الجامعة، واستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات الجامعة ومجالسها وجميع المنظمات والأجهزة التابعة لها اعتباراً من 7 مايو 2023. 
وفي خضم الصراعات الإقليمية القائمة والوضع الجيوسياسي المتأزم في منطقة الشرق الأوسط، فإن تصفير الخلافات وحل الإشكالات السياسية بين دول المنطقة يمثل مصداً آمناً لمنع تمدد الأزمات وتفاقمها وتدهور الأوضاع في المنطقة العربية. وكان قرار عودة سوريا للصف العربي قراراً حكيماً وواعياً للظروف الآنية والمتغيرات السياسية التي نعيشها، وهو قرار مليء بالبشائر على مستوى المنطقة من ناحية محاصرة خطر الإرهاب وتحجيم الجماعات والتنظيمات الإرهابية والتضييق عليها، وكذلك لناحية محاصرة تهريب المخدرات وسد المنافذ أمام عصابات تهريبها والحد من تدفقها عبر الحدود والممرات البرية لبعض الدول العربية، وهو توجهٌ جديدٌ كانت أولى ثماره مقتل مهرِّب المخدرات الشهير «مرعي الرمثان» بوساطة الطيران الحربي الأردني الذي استهدف منزله في ريف السويداء الشرقي المحاذي للحدود الأردنية، إثر ضربتين جويتين ناجحتين ضد موقعين رئيسيين لتجارة المخدرات في جنوب سوريا، بالإضافة إلى التعاون مع الحكومة السورية في مجالات الأمن ومكافحة الإرهاب من خلال سياسة عربية تُسهم في دعم دمشق لبسط سيادتها على جميع الأراضي السورية.
وفي ما يتعلق بالداخل السوري، فلا شك في أن التقارب العربي السوري سوف يسهم بشكل كبير في حل الكثير من المشكلات، وأهمها على الإطلاق تهيئة الأرض على المستوى الأمني والسياسي من أجل تعزيز الظروف المناسبة لعودة اللاجئين، إذ يعيش الآن حوالي 5.5 مليون لاجئ سوري مسجَّلين في كل من لبنان والأردن وتركيا والعراق ومصر، وذلك عبر تمكين الحكومة السورية من بسط سيادتها على أراضيها، ومن ترشيد السياسات وفرض تطبيق القانون. وقد شدد أعضاءُ الجامعة العربية في اجتماع الأحد الماضي على هذه النقطة. وبذلك يكون إنهاء أزمة اللاجئين وضمان تسهيل عودتهم إلى ديارهم آمنين، على رأس مخرجات اجتماع الوزراء العرب في ما يخص الشأن السوري، مع التأكيد على تعزيز التعاون بين سوريا والدول المضيفة للاجئين، وعلى التنسيق مع الأمم المتحدة لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة لهؤلاء اللاجئين بغية إنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وضمن إطار زمني واضح.
ولا شك في أنه أمام سوريا والدول العربية تحدياتٌ كبرى فيما يتعلق بعودة دمشق، على نحو تام وفاعل، إلى الصف العربي. ولا شك أيضاً في أن هذه التحديات لن تنجلي بين ليلة وضحاها، بل قد تتمخض عن منعطفات أخرى كونها تتعارض ومصالح بعض الدول الإقليمية. لكن مقابل إنهاء هذه التحديات يهون كل شيء لأجل شعب عربي يتوق للحياة الآمنة التي يستحقها بعد صراع دموي طويل تسبب في إراقة كثير من الدماء وإزهاق كثير من الأرواح، علاوة على ما أحدثه من نزوح ولجوء وانعدام للأمن.. وهي ظروف سمحت لبعض الجماعات الإرهابية بفرض إرهابها على بعض المناطق السورية وتدمير الحياة فيها، وقد آن الأوان للسوريين كي ينعموا مجدداً بالحياة المستقرة والعيش الكريم.


*كاتبة سعودية